جديد الموقع
مقالات الشيخ القادري => كيفية سلوك الطريقة ۞ دعاء يوم الجمعة => أوراد الأيام للإمام الجيلاني ۞ دعاء يوم السبت => أوراد الأيام للإمام الجيلاني ۞ دعاء يوم الأحد => أوراد الأيام للإمام الجيلاني ۞ دعاء يوم الاثنين => أوراد الأيام للإمام الجيلاني ۞ دعاء يوم الثلاثاء => أوراد الأيام للإمام الجيلاني ۞ دعاء يوم الاربعاء => أوراد الأيام للإمام الجيلاني ۞ دعاء يوم الخميس => أوراد الأيام للإمام الجيلاني ۞ حزب صلاة العشاء => أوراد الصلوات للإمام الجيلاني ۞ حزب وقت الإشراق => أوراد الصلوات للإمام الجيلاني ۞
المادة

الطريقة القادرية البريكفانية العلية

الكاتب: الشيخ القادري

تاريخ النشر: 12-06-2022 القراءة: 4940

الطريقة القادرية البريفكانية العلية

الطريقة القادرية: هي إحدى أعرق الطرق الصوفية وأكثرها انتشارًا، إذ تُعدّ من أقدم المدارس الروحية التي تبلورت كمنهج تربوي وسلوكي مستقل، قائم على أصول وقواعد واضحة في التصوف الإسلامي، تميزت هذه الطريقة بعمق جذورها ورسوخ منهجها، فكانت مدرسة متكاملة في التربية الروحية والسلوك القويم، تجمع بين التزكية القلبية، والانضباط الشرعي، والسير إلى الله على نور العلم والعمل.

والطريقة القادرية تنسب إلى الإمام الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه، ذلك العَلَم الذي أضاء سماء التصوف بعلمه وسلوكه، فجاءت طريقته امتدادًا لمنهج الكتاب والسنة، قائمة على الجمع بين الشريعة والحقيقة، ولذلك سُمّيت بالقادرية نسبة إليه، وقد يُطلق عليها أيضًا الجيلانية، الجيلية، أو الكيلانية، وفق الاختلافات اللفظية في نطق اسمه.

ومع مرور الزمن، تفرعت منها عدة مدارس وفروع، لكنها جميعًا تحتفظ بروحها الأصيلة ومنهجها المستقيم.

تعريف الطريقة القادرية: منهج تربوي سلوكي يُعنى بتزكية النفس من الرذائل، وتحليتها بالفضائل، وتطهير القلب من الأمراض، والسير بالعبد إلى مقام القرب من الله، حتى ينال رضاه ومحبته، وهي قائمة على العمل بمقتضى التصوف الصحيح، الذي هو مقام الإحسان، وفق الآداب والقواعد والأصول التي وضعها الإمام الرباني الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه، وسار عليها أئمة ومشايخ الطريقة من بعده، محافظة على جوهرها النقي وروحها الصافية.

وقد أرسى الشيخ عبد القادر الجيلاني طريقته على قواعد متينة، مستمدة من الكتاب والسنة، مستنيرة بهدي آل البيت الأطهار والصحابة الكرام، ومبنية على منهج الأولياء والعارفين الذين سبقوه.

والطريقة القادرية تجمع بين الالتزام بالشريعة والمجاهدة الروحية، بين العلم والسلوك، وبين التربية والتزكية، مما جعلها من أنقى الطرق الصوفية، وأكثرها حفاظًا على جوهر التصوف الصحيح.

وقد وضَّح منهج المريد في طريقته فقال: «فلا يرى غير مولاه وفعله، ولا يسمع ولا يعقل من غيره إن بصر وإن سمع وعلم، فلكلامه سمع، ولعلمه علم، وبنعمته تنعم، وبقربه تسعد، وبتقريبه تزين وتشرف، وبوعده طاب وسكن، به اطمأن، وبحديثه أنس، وعن غيره استوحش ونفر، وإلى ذكره التجأ وركن، وبه عزَّ وجلَّ وثق وعليه توكل، وبنور معرفته اهتدى وتقمص وتسربل»[1].

لقد أسس سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه طريقته المباركة على مجموعة من القواعد والأصول الراسخة، المستمدة من منهج الكتاب والسنة، وهدي العارفين بالله، الذين نهل عنهم وأخذ من معين علومهم، فكانت طريقته نقية صافية، متجردة عن كل ما يخالف الشريعة الإسلامية.

وقد شدد الشيخ على ضرورة الالتزام بهذه القواعد والأصول، والتحذير من كل من يخرج عنها أو يحيد عن نور الكتاب والسنة، فقال في الفتح الرباني: «كل حقيقة لا تشهد لها الشريعة فهي زندقة، طر إلى الحق عز وجل بجناحي الكتاب والسنة ادخل عليه ويدك في يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»[2].

وقد امتاز المنهج القادري بالقوة في التربية، والصرامة في المجاهدة، حيث كان يأخذ بالأشد من العزائم، ويدعو مريديه إلى الاجتهاد في العبادة، ورياضة النفس بالخلوات والمجاهدات، لكنه في الوقت ذاته كان يربيهم بالحكمة والرفق والتدرج، فيجمع بين الحِلْمِ، ثم العلم، ثم الزهد، ثم المجاهدة، حتى يرتقي المريد في مدارج السلوك على بصيرة ونور.

وكان الشيخ يجمع بين التربية العلمية والتزكية الروحية، فكان يبدأ بتعليم المريدين العلم والفقه والحديث، قبل أن يسلك بهم في طريق الزهد والتقشف والرياضات والخلوات، وكان يعتمد على الأذكار والأدعية، وينظم الأوراد ويوزعها على الأوقات، حتى تكون للمريد منهاجًا متكاملًا في يومه وليله.

ومن هنا، تميز الشيخ الجيلاني بخبرة فريدة في التربية والسلوك، حتى انتهت إليه رئاسة العلم والتصوف في زمنه، فأصبح قبلة للعلماء والأولياء، ومقصدًا للخاص والعام، يجلس بين يديه أهل الفقه والحديث، وأهل السلوك والمعرفة، فينهلون من معين علمه، ويتلقون عنه طريق الهداية والرشاد.

فانتشر صيته بين الناس حتى حضر مجالسه أهل الملل الأخرى، فكان اليهود والنصارى يدخلون في الإسلام على يديه، تأثرًا بحاله وكلامه، لما في منهجه من الجمع بين العقل والنقل، وبين العلم والتربية، وبين المجاهدة والرحمة.

وقد شهد كبار علماء الأمة وأولياؤها لطريقة الشيخ عبد القادر الجيلاني، وأثنوا على منهجه في السلوك والتربية، سواء ممن عاصروه أو ممن جاء بعده، وسنذكر فيما يلي بعض أقوالهم في مدح طريقته، والإشادة بمقامه ومنهجه.

يقول عنه الشيخ علي بن الهيتي: «كان قدمه التفويض والموافقة مع التبرئ من الحول والقوة، وطريقه تجريد التوحيد، وتوحيد التفريد مع الحضور في موقف العبودية بسر قائم في مقام العندية لا بشيء ولا لشيء، وكانت عبوديته مستمدة من لحظ كمال الربوبية، فهو عبد سما عن مصاحبة التفرقة إلى مطالعة الجمع مع أحكام الشرع»[3].

ويقول الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه: « ومن يبلغ مبلغ الشيخ عبد القادر، ذاك ‌بحر ‌الشريعة عن يمينه، وبحر الحقيقة عن يساره، من أيهما شاء اغترف الشيخ عبد القادر، لا ثاني له في وقتنا هذا»[4].

ويقول الشيخ عدي بن أبي البركات: «قيل لعمي الشيخ عدي بن مسافر، وأنا أسمع: ما طريق الشيخ عبد القادر؟ فقال: ‌الذبول تحت مجاري الأقدار بموافقة القلب والروح، واتحاد الباطن والظاهر، وانسلاخه من صفات النفس مع الغيبة عن رؤية النفع والضر، والقرب والبعد»[5].

ويقول الخليل بن أحمد الصرصري: «سمعت الشيخ بقاء بن بطو يقول: طريق سيدنا الشيخ عبد القادر - رضي الله عنه - اتحاد القول والفعل، واتحاد النفس والوقت، ومعانقة الإخلاص والتسليم، وموافقة الكتاب والسنة في كل خطرة ولحظة، ونفس ووارد وحال، والثبوت مع الله عز وجل»[6].

ويقول ابن حجر العسقلاني: «كان الشيخ عبد القادر متمسكاً بقوانين الشريعة، يدعو إليها وينفر عن مخالفتها، ويشغل الناس فيها مع تمسكه بالعبادة والمجاهدة، ومزج ذلك بمخالطة الشاغل عنها غالباً كالأزواج والأولاد، ومن كان هذا سبيله كان أكمل من غيره لأنها صفة صاحب الشريعة» [7].

ويقول ابن رجب الحنبلي: «ظهر الشيخ عبد القادر للناس، وجلس للوعظ بعد العشرين وخمسمائة وحصل له القبول التام من الناس، واعتقدوا ديانته وصلاحه، وانتفعوا به وبكلامه ووعظه، وانتصر أهل السنة ‌بظهوره، واشتهرت أحواله، وأقواله وكراماته ومكاشفاته وهابه الملوك فمن دونهم» [8].

ويقول عنه الإمام عبد الوهاب الشعراني: «طريقته التوحيد وصفاً وحكماً وحالاً وتحقيقه الشرع ظاهرا وباطناً» [9].

وفي هذا القدر كفاية للتعريف بالطريقة القادرية العلية، وسيأتي في مباحث الكتاب التعريف بقواعدها وأصولها وقواعدها وكل ما يتعلق بها.

مصطلح الطريقة في السياق الصوفي والتاريخي:

اعلم يا طالب السلوك: أن مصطلح )الطريقة) لم يكن مستخدمًا في العصور الأولى للإسلام، لا في زمن الصحابة، ولا في عهد التابعين وتابعيهم، رغم أن جوهر التصوف ومنهجه كان موجودًا منذ تلك العصور المباركة، وكان يُعرف بأساليب أخرى، حيث كان يُطلق على أهل هذا الطريق الزهاد، أو العُبَّاد، أو النُسَّاك، ثم عُرفوا لاحقًا باسم الصوفية، واشتهرت هذه التسمية حتى أصبحت علَمًا على أهل السلوك والتزكية.

أما مصطلح (الطريقة) بمفهومه الذي نعرفه اليوم، فلم يكن متداولًا في القرون الأولى، بل بدأ بالظهور التدريجي في بداية القرن الثالث الهجري، حيث صار الناس يميزون بين طريق الصوفية ومنهجهم في السلوك، فصار يُقال: (طريق الصوفية)، أو (طريق القوم)، أو (طريقتنا)، أو (طريقنا)، وصار هذا التعبير يُستخدم للدلالة على النهج التربوي والسلوكي للصوفية، ثم بدأ هذا الاصطلاح يترسخ شيئًا فشيئًا في كلام العلماء والمشايخ، حتى أصبح مصطلح (الطريقة) معتمدًا عند العامة والخاصة، يُطلق على المنهج الصوفي الذي يسير عليه أهل التصوف في تزكية النفس، وتهذيب الأخلاق، والسير إلى الله على منهاج الكتاب والسنة، وقد وردت ألفاظ الطريق والطريقة في كلام كثير من العلماء والصالحين، وامتلأت كتب التصوف بهذه المصطلحات، مما يدل على أن هذا المفهوم أصبح جزءًا أصيلًا من التراث الصوفي، يُشير إلى نهج معين في التربية والسلوك إلى الله

وقد ورد هذا المصطلح بكثرة في الرسالة القشيرية للإمام أبي القاسم القشيري، وكذلك في كتب الإمام الغزالي، كما استعمله العلماء والصالحون في مؤلفاتهم، حتى أصبح متعارفًا عليه بين أهل التصوف والعلم، وتوسع استخدامه في كتب القوم حتى صار مرادفًا لمنهج التربية والتزكية عند الصوفية.

وكذلك نجد في كتاب الغنية للإمام الشيخ عبد القادر الجيلاني أنه عنون القسم الأخير من كتابه بهذا العنوان الواضح: (كتاب آداب المريدين من الفقراء الصادقين سالكي طريق الصوفية)، وهذا يدل دلالة صريحة على أن مصطلح "الطريق" كان متداولًا ومعروفًا بين الصوفية في زمنه، بل كان يشير به إلى المنهج العملي الذي يسير عليه السالكون في سبيل الله، وفق الآداب والقواعد الصوفية التي تهذب النفوس وتزكي القلوب.

وفيما يلي، سنذكر بعض أقوال العلماء والمشايخ التي ورد فيها استخدام مصطلح (الطريقة)، لبيان أصالته في تراث أهل التصوف، والله الموفق:

يقول الجنيد البغدادي: «الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واتبع سنته ولزم طريقته، فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه»[10].

ويقول أيضاً: «من لم يحفظ القرآن، ويكتب الحديث لا يقتدى به في طريقنا هذا؛ لأن طريقنا وعلمنا ‌مقيد ‌بالكتاب ‌والسنة»[11].

ويقول الشيخ أبو القاسم إبراهيم النصر باذي: «أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة وترك الهواء والبدع، وتعظيم حرمات المشايخ ورؤية أعذار الخلق، وحسن صحبة الرفقاء، والقيام بخدمتهم، واستعمال الأخلاق الجميلة، والمداومة على الأوراد، وترك ارتكاب الرخص والتأويلات، وما ضل احدٌ بهذا الطريق إلا بفساد الابتداء يؤثر في الانتهاء» [12].

ويقول سهل بن عبد الله رحمه الله تعالى: «أصول طريقتنا سبعة: التمسك بالكتاب، والاقتداء بالسنة، وأكل الحلال، وكف الأذى، وتجنب المعاصي، لزوم التوبة، وأداء الحقوق» [13].

ويقول أبو بكر نصر بن أحمد بن نصر الدقاق: «هذا لا يصلح إلا لأقوام كنست بأرواحهم المزابل» [14].

يقول الأمام النووي: «أصول طريق التصوف خمسة: تقوى الله في السر والعلانية، إتباع السنة في الأقوال والأفعال، الأعراض عن الخلق في الإقبال والأدبار، الرضا عن الله تعالى في القليل والكثير، الرجوع إلى الله في السراء والضراء» [15].

التسمية واستعمال مصطلح الطريقة في العهد القادري:

وأصل هذه التسمية مستمدة من قوله تعالى: ﴿ وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُوا عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَـٰهُم مَّآءً غَدَقًا [16]، كما أوضحنا في مبادئ الطريقة.

أما فيما يخص الطريقة القادرية، فلم يكن يُطلق هذا الاسم على منهج الشيخ عبد القادر الجيلاني في حياته بنفس المفهوم الذي عُرف لاحقًا، بل كان يُشار إلى تعاليمه على أنها منهج في السلوك والتربية والإرشاد، قائم على الزهد والتصوف والالتزام بالشريعة، كما كان حال غالب أهل التصوف في ذلك العصر.

غير أن مصطلح "الطريقة" كان قد ظهر قبل ذلك، وعُرف في الأوساط الصوفية كما بيّنا فيما سبق، وبعد بحثٍ وتحقيقٍ معمّق، ثبت لدينا أن الإمام عبد القادر الجيلاني، قدّس الله سرّه، كان من أوائل من أطلق مصطلح الطريقة على منهجه، وورد هذا المصطلح في عدة مواضع من مؤلفاته، حيث أفرد بابًا في كتابه "الغنية" بعنوان: (باب فيما يجب على المبتدئ في هذه الطريقة أولًا)، كما ذكر فصلًا بعنوان: (في ذكر أقاويل شيوخ ‌الطريقة في التوبة).

ولم يقتصر استخدام هذا المصطلح على كتاب "الغنية" فحسب، بل ورد أيضًا في كتبه الأخرى، مثل: الطريق إلى الله، سر الأسرار، الفتح الرباني.

كما استعمله في بعض قصائده الصوفية، مما يدل على أنه كان مُدركًا تمامًا لمفهوم "الطريقة" كمصطلح يعكس منهجًا تربويًا وسلوكيًا واضح المعالم.

وقد جاء في وصيته لولده، قوله: «واعلم يا ولدي، وفقنا الله تعالى وإياك والمسلمين أجمعين، أن طريقتنا هذه مبنية على الكتاب والسنة».

وهذا دليل واضح على أنه كان يُشير إلى منهجه باسم "الطريقة" في حياته، مما يعني أنه هو الذي أرسى دعائم هذا المصطلح بمفهومه المنهجي والتربوي الواضح، وبذلك، فإن الإمام عبد القادر الجيلاني يُعدُّ من أوائل من أسس "الطريقة الصوفية" بمعناها المعروف اليوم، الأمر الذي يجعل الطريقة القادرية أقدم الطرق الصوفية، وأولها من حيث التسمية والتاريخ والتبلور كمدرسة تربوية متكاملة، كما سيأتي تفصيله في المبحث الآتي.

تسمية الطريقة بالقادرية وانتشارها عبر التاريخ:

أما تسميتها بالقادرية، فقد ظهرت هذه التسمية في بداية القرن السابع الهجري، وذلك نسبةً إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، بعد أن انتشر منهجه التربوي، واشتهر بين المسلمين طريقه في السلوك والتزكية، فصار الناس ينسبونه إليه، وتوافد عليه العلماء والأولياء والعامة والخاصة، ممن رأوا في مدرسته منهجًا متكاملًا يجمع بين العلم، والعمل، والتصوف الصحيح.

وفي بداية الأمر، كانت كلمة القادرية أو القادري تُطلق على كل من يتصل نسبه بالشيخ عبد القادر الجيلاني من ذريته الطاهرة، ثم اتسع مدلولها ليشمل كل من ينتسب إلى المدرسة القادرية، ويتلقى فيها التربية والسلوك. وقد أشرف على هذه المدرسة أولاد الشيخ عبد القادر وأحفاده من بعدهم، ملتزمين بنهجه وقواعده التي أسس عليها طريقته.

وبمرور الزمن، ترسخت هذه التسمية في عهد أحفاده، وازدادت انتشارًا حتى أصبحت كلمة القادرية مصطلحًا يدل على معنيين أساسيين:

الذرية القادرية: أي نسل الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه.

المشايخ والتلاميذ: وهم المنتسبون إلى المدرسة والطريقة القادرية ممن أخذوا السلوك والتربية على منهجها.

ثم اكتسبت التسمية بعدًا أوسع وأصبحت تشير إلى الطريقة القادرية بشكل كامل، خاصة بعد افتتاح الزوايا والتكايا القادرية وانتشارها.

وكان أول من بدأ بهذا العمل هم أبناء الشيخ عبد العزيز الجيلاني، وكان الشيخ عثمان بن الشيخ عبد العزيز الكيلاني، المتوفى سنة: (623هـ)، هو أول من أسس تكية وزاوية قادرية، ومنها انتشرت الفكرة في مختلف المناطق، فأقبل الأشراف والسادة القادريون على تأسيس الزوايا والتكايا الصوفية التي تجمع المريدين والمنتسبين إلى الطريقة القادرية.

وفي زمن الغزو المغولي، أصبحت بغداد وجبل سنجار مركزين رئيسيين للمدرسة القادرية، ومنها توسعت وانتشرت في أنحاء العالم الإسلامي، وقد ساهم انتشار ذرية الشيخ عبد القادر الجيلاني بسبب الحروب والتهجير، إلى جانب إجازات المشايخ القادريين لمريديهم، في انتشار الطريقة القادرية في غالب البلاد، حتى أصبحت من أوسع الطرق الصوفية وأرسخها جذورًا.

تسمية الطريقة بالقادرية العلية:

أما تسميتها بالقادرية العلية، فإن كلمة العلية مأخوذة من العلو، وهو الرفعة والسمو، أي أن هذه الطريقة تمتاز بعلوّ شأنها ومكانتها الرفيعة في مجال التصوف والتربية الروحية، كما أن (العلي) من أسماء الله الحسنى، مما يضفي على هذا اللقب هيبة وشرفًا ومعنى روحانيًا عظيمًا.

وإن مصطلح العلية ليس حكرًا على الطريقة القادرية وحدها، بل هو مصطلح مستخدم في مختلف الطرق الصوفية، فنجد أنه يقال: القادرية العلية،
الرفاعية العلية، النقشبندية العلية، الشاذلية العلية، وغيرها من الطرق الصوفية التي استخدمت هذا اللقب للدلالة على علو شأنها وسمو مقاصدها في التربية والسلوك إلى الله تعالى.

ومن المعاني التي يقصدها بعض السادة الصوفية في هذا المصطلح، هو الانتساب الروحي إلى سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي ترجع إليه جميع سلاسل الطرق الصوفية من خلال سند المشايخ المتصلين به، وليس في هذا أي حرج أو إشكال كما يزعم البعض، بل هو شرف عظيم لكل صوفي، أن يتصل بسلسلة العلم والتزكية التي بدأت من رسول الله ﷺ، وانتقلت إلى باب مدينة العلم، سيدنا علي عليه السلام، ثم تفرعت إلى أئمة التصوف الكبار الذين حفظوا هذا المنهج النقي عبر العصور، فإن جازت نسبتها للمشايخ، فمن باب أولى تجوز نسبتها لمن هو أرقى واعلى شأناً منهم وهو أمير المؤمنين عليه السلام، غير أن المقصود الحقيقي من التسمية هو العلو.

وأول من أطلق مصطلح "العلية" على الطريقة القادرية هو الشيخ نور الدين البريفكاني في عدة مواضع من كتبه وإجازاته، مما جعل هذا اللقب ملازمًا لهذه المدرسة الصوفية المباركة، كما نجد أن الإمام اليافعي ألّف رسالة بعنوان: (الرسالة المكية في الطريقة العلية القادرية)، وهذا يؤكد أن مصطلح "العلية" كان معروفًا ومتداولًا عند العلماء والأولياء، منذ قرون طويلة، للدلالة على رفعة الطريقة القادرية ومكانتها الروحية والعلمية بين سائر الطرق الصوفية.

تسمية الطريقة بالبريفكانية أو النورية:

من الأسماء التي تُعرف بها طريقتنا القادرية العلية: القادرية البريفكانية، والقادرية النورية، وهاتان التسميتان ترتبطان بالإمام الرباني الشيخ نور الدين البريفكاني القادري قدّس الله سره العالي، الذي يعدّ أحد كبار مشايخ الطريقة القادرية، والذي كان له دور بارز في نشرها وتعليم أصولها، ففي العراق، وخاصة في الموصل، يُطلق على هذه الطريقة اسم: القادرية النورية، نسبةً إلى الشيخ نور الدين، تخليدًا لاسمه ولإسهاماته الجليلة في خدمة الطريقة، وفي سورية وتركيا، تعرف هذه الطريقة باسم: القادرية البريفكانية، نسبةً إلى كلمة البريفكاني.

المصدر: الكنوز النوارنية من ادعية واوراد السادة القادرية


(1) فتوح الغيب، المقالة الثالثة (في الابتلاء).

(2) الفتح الرباني ص 29.

(3) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (21/ 113).

(4) المصدر السابق: (21/ 128). طبقات الأولياء لابن الملقن ص 10

(5) المصدر السابق: (21/ 113).

(6) المصدر السابق: (21/ 113).

(7) قلائد الجواهر ص 23.

(8) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (21/ 113). ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب (2/ 191).

(9) ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (2/ 187).

(10) الطبقات الكبرى الشعراني 1/129.

(11) ابو نعيم في الحلية (ج10 ص 255)، وطبقات الصوفية ص 159.

(12) الرسالة القشيرية ص 19، وذكره ابو نعيم في الحلية (ج10 ص 255)، مدارج السالكين (2/100).

(13) طبقات الصوفية ص159.

(14) الاعتصام للشاطبي: ص 127.

(15) عدة المريد الصادق ص203.

(16) كتاب مقاصد الإمام النووي: ص 20.

(17) سورة الجن: [الآية: 16].