تعريف الطريقة الصوفية اصطلاحاً
الكاتب: الشيخ مخلف العلي القادري
تعريف الطريقة الصوفية اصطلاحاً
اعلم ولدي السالك أنَّ سلوك الطريقة الصوفية أمر مستحسن ومندوب
عند علماء الأمة كافة، ولم يخالف في هذا إلا قلة ممن لا يعتد بأقوالهم، ولو رجعت
لتاريخ علماء أهل السنة والجماعة لوجدت غالبهم كانوا على طرق صوفية، وهذا لا يخفى
على أحد، لأن الطريقة وفق معناها الصحيح بعيداً عن الانحراف الذي أصاب بعض أصحابها
في مختلف البلدان هي: التمسك والالتزام بدين الإسلام
والعناية بجوانبه التعبدية والسلوكية والروحية، وقد ذكر العلماء تعريفاتٍ
كثيرةٍ للطريقة وكلها تصب في معنىً واحدٍ وهو:
الطريقة الصوفية: هي ذلك المنهج الروحي والطريق السلوكي التربوي
الذي يُتَوَصَلُ به إلى معرفة الله تعالى وإلى الترقي إلى مقام الإحسان: ((أن تعبد الله كأنك
تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).
وإليك بعض هذه التعريفات التي جمعناها ونقلناها عن العلماء والصالحين:
· قال الإمام أحمد
الرفاعي رضي الله عنه في البرهان المؤيد: الطريقة هي الشريعة والشريعة هي الطريقة والفرق بينهما لفظي
والمادة والمعنى والنتيجة واحدة.
· وقال الإمـام عبد
الوهاب الشعراني رحمه الله تعالى في كتابه لطائف المنن والأخلاق 1/ ص2: إن طريق القوم محررة على الكتاب
والسنة كتحرير الذهب والجوهر فيحتاج سالكها إلى ميزان شرعي في كل حركة وسكون.
· وقال الإمام ابن عابدين
رحمه الله تعالى في حاشيته ص 202/3: الطريقة
هي السيرة المختصة بالسالكين من قطع المنازل والترقي في المقامات، وقال في الصفحة
203 /3: فالحقيقة هي مشاهدة الربوبية بالقلب ويقال: هي سر معنوي لا حد له ولا جهة،
والطريقة والشريعة متلازمة لأن الطريق إلى الله تعالى له ظاهر وباطن. فظاهرها
الشريعة والطريقة. وباطنها الحقيقة. فبطون الحقيقة هي الشريعة والطريقة كبطون
الزبد في لبنه. ولا يظفر من اللبن بزبده بدون خضه. والمراد من الثلاثة ( الشريعة والطريقة والحقيقة ) إقامة العبودية على
الوجه المراد من العبد.
· وقال الإمام الجرجاني
رحمه الله تعالى في كتابه التعريفات ص 183 في تعريف الطريقة هي: السيرة المختصة بالسالكين إلى الله
تعالى من قطع المنازل والترقي في المقامات.
· وقال صاحب كشف الظنون
حاجي خليفة -ج 1 /ص 413: ويقال
علم التصوف علم الحقيقة أيضاً وهو علم الطريقة: أي تزكية النفس عن الأخلاق الردية
وتصفية القلب عن الأغراض الدنية وعلم الشريعة بلا حقيقة عاطل وعلم الحقيقة بلا علم
الشريعة باطل. علم الشريعة وما يتعلق بإصلاح الظاهر بمنـزلة العلم بلوازم الحج.
وعلم الطريقة وما يتعلق بإصلاح الباطن بمنـزلة العلم بالمنازل وعقبات الطريق. فكما
أن مجرد علم اللوازم ومجرد علم المنازل لا يكفيان في الحج الصوري بدون إعداد اللوازم
وسلوك المنازل. كذلك مجرد العلم بأحكام الشريعة وآداب الطريقة لا يكفيان في الحج
المعنوي بدون العمل بموجبهما.
· وقال الإمـام اليافعي
رحمه الله تعالى في كتابه نشر المحاسن الغالية (ج1/ص154): إن الحقيقة هي مشاهدة أسرار الربوبية
ولها طريقة هي عزائم الشريعة فمن سلك الطريقة وصل إلى الحقيقة فالحقيقة هي نهاية
عزائم الشريعة ونهاية الشيء غير مخالفة له فالحقيقة غير مخالفة لعزائم الشريعة.
· وقال الإمام الحافظ
محمد صديق الغماري رحمه الله تعالى في كتابه الانتصار لطريق الصوفية ص 6: أما أول من أسس الطريقة، فلتعلم أن
الطريقة أسسها الوحي السماوي في جملة ما أسس من الدين المحمدي، إذ هو بلا شك مقام
الإحسان الذي هو أحد أركان الدين الثلاثة التي جعلها النبي صلى الله عليه وآله
وسلم بعد ما بينها واحداً واحداً ديناً بقوله:
فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم. في الحديث الصحيح المشهور الذي أخرجه مسلم في
صحيحه وهي الإسلام والإيمان والإحسان. فالإسلام طاعة وعبادة والإيمان نور وعقيدة
والإحسان مقام مراقبة ومشاهدة: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
ثم
قال رحمه الله تعالى :فإنه
كما في الحديث عبارة عن الأركان الثلاثة فمن أخل بهذا المقام ( الإحسان) الذي هو الطريقة فدينه ناقص بلا شك لتركه
ركناً من أركانه فغاية ما تدعو إليه الطريقة وتشير إليه هو مقام الإحسان بعد تصحيح
الإسلام والإيمان.
وبعد كل هذا
الكلام الذي تقدم من أقوال العلماء والصالحين تبين لنا بوضوح ما هي الطريقة وما هو
تعريفها وما هي أهميتها وعلى أي شيء مبنية، وما هو هدفها وأنها لا تخرج عن الشريعة
التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بل إنها ومن خلال ما مر معنا هي روح الشريعة والحاصل من هذا كله
نستطيع أن نقول أن الطريقة هي: ذلك المنهج التربوي
والسلوكي الذي يكتسب به الأخلاق الفاضلة ويتخلص به من الأخلاق الذميمة ويتوصل به
إلى رضا الله تعالى.
والحاصل هي كما
قال الشعراني رحمه الله في الأنوار القدسية هي: العمل
بالشريعة على وجه الإخلاص وهذا هو الهدف والغاية التي أرسل الله من أجلها
الرسل والأنبياء والكتب والشرائع، ومن أجل هذا عمل الصحابة ومن جاء من بعدهم من
التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
نقلاً عن كتاب
إرشاد الرفيق إلى كيفية سلوك الطريقة
للشيخ مخلف العلي الحذيفي القادري
حقوق النشر والطباعة محفوظة للمؤلف