رد على منكر الرابطة عند القادرية
الكاتب: الشيخ القادري
الرد على من أنكر أن الرابطة
من آداب الطريقة
القادرية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين وبعد:
سألني بعض
الإخوة مستفسرا، والبعض مستنكرا، هل الرابطة من تعاليم التربية في الطريقة
القادرية، أم هي خاصة بالطريقة النقشبندية؟ وجوابي هو ما يأتي:
أولا: الرابطة هي من أساليب التربية عند جميع
الطرق الصوفية في الأصل، وليست خاصة بالطريقة النقشبندية كما يزعم البعض، وإنما
أولاها السادة النقشبندية اهتماما بالغا أكثر من غيرهم، وجعلوها أساس التربية
عندهم كما بين بعض مشايخهم. ولكنها ليست خاصة بهم بل هي أدب من آداب الذكر الذي نص
عليه الكثير من العارفين في كتبهم ورسائلهم.
وقد ذكرها
الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمه الله في كتابه الأنوار القدسية في معرفة قواعد
الصوفية في آداب الذكر فذكرها في الآداب التي تسبق الذكر فقال: الأدب الرابع: أن
يستمد عند شروعه في الذكر بهمة شيخه بأن يشخصه بين عينيه ويستمد من همته ليكون
رفيقه في السير. وذكرها رضي الله عنه في الآداب التي أثناء الذكر فقال: الأدب
السابع: أن يخيل شخص شيخه بين عينيه ما دام ذاكرا وهذا عندهم من آكد الآداب لأن
المريد يترقى منه إلى الدب مع الله والمراقبة له.
وقد ورد
ذكرها في الكثير من الكتب الصوفية لكثير من الطرق الصوفية لا مجال لذكرها ها هنا.
أما سؤال
السائل: هل
الرابطة من أساليب التربية في الطريقة القادرية؟ فنقول نعم إنها من أساليب التربية
عندهم، وقد ذكرها الكثير من ساداتنا القادرية في كتبهم وبينوا كيفيتها، وسنبين ذلك
فيما يأتي:
أولا: جاء ذكرها في كتاب الفيوضات الربانية في
المآثر والأوراد القادرية للحاج إسماعيل الكيلاني القادري ص (26) وهو من أشهر كتب
السادة القادرية حيث يقول: فائدة في الرابطة وكيفيتها وهي أفضل من الذكر، وهي حفظ
تصور صورة الشيخ في الفكر، وذلك للمريد أفيد وأنسب من الذكر، لأن الشيخ واسطة في
الوصول إلى جناب الحق جل وعلا للمريد، وكلما تزيد وجوه المناسبة مع الشيخ تزداد
الفيوضات من باطنه ويصل عن قريب إلى مطلبه، واللازم للمريد أن يفنى أولا في الشيخ،
ثم يصل بالفناء في الله تعالى، والله أعلم.
ثانيا: ذكرها سيدنا القطب الكبير الشيخ نور الدين
البريفكاني القادري قدس سره العالي وهو من المجددين في هذه الطريق، وسنبين فيما
يأتي قوله في الرابطة:
قال الشيخ
نور الدين البريفكاني قدس سره: «وكان بعض الأولياء
إذا فتر في مجاهدته زار محمد بن الواسع فنشط إلى مدة، وهكذا شأن الصحابة
في حق النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، فرؤية وجه الكامل أشد تأثيرا من الذكر، وهذه طريقة معروفة
تسمى بالرابطة، وهي رؤية الشيخ، فإنها أنفع من الذكر؛ إذا كان الشيخ فانيا عن نفسه».
انظر الرسالة رقم
(5)، الشيخ نور الدين البريفكاني للكزني ص 79.
وقال الشيخ
نور الدين البريفكاني قدس سره في رسالة سلوك الخلوة: « ولا تغفل
عن رابطة شيخك واستحضار شبهه وتكلمه ما أمكنك وفي كل يوم وليلة تستمد من الشيخ عبد
القادر رضي الله
عنه مرة ويكون بعد قراءة شيء من
القرآن كما سبق، وتناديه: يا شيخ الطريقة الغوث الغوث الغوث يا قطب العارفين ساعدني
في هذه الطريقة فأنت وسيلتي إلى رب العالمين، واستمد في اليوم الثاني من الشيخ معروف
الكرخي رضي الله عنه وتقول:
يا إمام العارفين يا ناظر الحضرة يا رفيع الدرجة الغوث الغوث ساعدني في هذه الطريقة
فأنت وسيلتي إلى رب العالمين، واستمد في اليوم الثالث من الشيخ الجنيد البغدادي رضي
الله عنه وتناديه: يا سيدي ويا وسيلتي
إلى رب العالمين يا أبي يا مساعدي أنت الغوث القريب وملجأ البعيد ساعدني في هذه الطريقة عند رب
العالمين، واستمد في اليوم الرابع من خاله سري السقطي رضي الله عنه وتقول: يا شيخي يا مرشدي يا إمامي يا ناظر
المريدين يا ضياء الدين أنا من ضعفاء أتباعك ومن فقراء طريقتك فانظر إلي بنظرة الشفقة
فأنت أبي ووسيلتي في هذه الطريقة إلى رب العالمين، فكذلك في كل يوم مع ليلته، لا تغفل
عنهم فإنهم قريبون ينظرون إليك ويقرب الله ببركة دعائهم فتحك، وحضور مطلوبك، إلى زوال
الغفلة ومشاهدة رب العزة».
وقال الشيخ
نور الدين البريفكاني قدس سره في مرام الإسلام: فإن الرابطة وهي
النظر لوجه الشيخ في الحضور وملاحظة وجهه بالقلب في الغيبة أنفع عندهم من جميع
الأعمال كما قاله المحققون منهم ويسمونه الرابطة.
ثالثا: ذكرها العارف بالله الشيخ إبراهيم حلمي
القادري قدس سره، بل وصنف فيها كتابا سماه: (مدارج الحقيقة في الرابطة عند أهل
الحقيقة)، وهو كتاب عظيم المنافع تكلم فيه عن الرابطة وأهميتها وأنواعها، ودلل
عليها، وقد قال في هذا الكتاب ص 30: ولهذا عمد أئمة الطريقة إلى تكليف السالكين
بتصور المرشد الأعظم صلى الله عليه وسلم، وتصور المشايخ المرشدين، الورثة
المحمديين وتخليلهم للاستفادة من تلك الأسرار والاستنارة من تلك الأنوار لحفظ
الحال والترقي إلى الكمال.
رابعا: ذكرها العارف بالله الشيخ محمد الكسنزاني
القادري قدس سره في موسوعته الجزء9، وبين بشكل جلي واضح أن الرابطة من آداب
التربية والسلوك في الطريقة القادرية الكسنزانية ومن أقواله في ذلك: الرابطة: تعني
ربط قلب المريد إلى الوسيلة مع الله الفانية فيه الممدة منه سبحانه والممدة للمريد،
وهذه الوسيلة عندنا هي شيخ الطريقة، الرابطة: هي أن تغمض عينيك عن الدنيا، وتنظر
بداخلك إلى قلبك، وقلبك ينظر إلى الشيخ.
ومن قوله
فيها: هي عبارة عن كثرة مراعاة صورة الشيخ في البال والاستمداد من روحانيته
المباركة الفانية في الله تعالى، فيتم للمريد بهذه الرابطة الحضور والنور ويترك
بسببها سفاسف الأمور، فيستفيد المريد من شيخه في غيبته كالحضور فتحصل للمريد
العلاجات الروحية التي يقدمها الشيخ لصفاء ذات المريد المرابط، هي أن تربط قلبك بقلب شيخك إلى قلب الرسول
إلى الحضرة الإلهية، ومن يفعل ذلك تتنـزل عليه الفيوضات الربانية والرحمانية،
وينال بركتي نور الذكر ونور الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد تلقيت
الرابطة من سيدي الشيخ عبيد الله القادري الحسيني قدس سره ونفعني ببركته، وقد
سألته عنها عدة مرات وأمرني بها، وقال إنه تلقاها من والده وأخيه وأنها من آداب
الطريقة القادرية العلية.
وكذلك من
يبحث في كتب القوم، وكتب الطرق الصوفية سيجد أن الكثير من الطرق الصوفية قد تكلموا
بالرابطة وأمروا بها كالخلوتية والنقشبندية والقادرية والتيجانية وبعض الشاذلية،
وورد عند الكثير من الصالحين بأساليب مختلفة، وتكلم عنها العلماء والعارفون في
كتبهم كالغزالي وابن حجر والسيوطي واليافعي والشعراني، وكتب القوم مليئة بالحديث
عن الرابطة، بل يرجع بعضها لتاريخ يسبق نشأة الطرق الصوفية وتأسيسها.
وفي خلاصة
الكلام أقول: لا عبرة بإنكار المنكر علينا بذريعة أنه لم يتلاقاها عن شيخه، أو لم
يطلع عليها، فهذا عائد عليه.
وليس عدم
وجودها في فرع من فروع الطريقة القادرية يعني عدم وجودها في الطريقة القادرية، فقد
تختلف الآداب بين فروع الطريقة حسب تلقيهم عن مشايخهم، بل قد يختلف التلقي من مريد
لآخر من شيخ واحد، والله تعالى أعلم.
وفي الختام
أقول: اعلم أن الرابطة الشريفة هي من أساسيات الطريقة ومن آدابها، ولها فضل عظيم يعود
على المريد بالخير في سلوكه وقد تلقيتها عن شيخنا عبيد الله القادري في بداية سلوكي،
فانتفعت بها كثيرا، وكنت وما زلت آمر كل سالك للطريق بها.
والذي أخذناه
عن مشايخنا أن وقت الرابطة يكون بعد قراءة التوهيبات القادرية الشريفة، وأفضل أوقاتها
بعد صلاة الظهر، ومن أوقاتها الطيبة بعد قراءة الختم القادري الشريف، وذلك بعد صلاة
العشاء، أو بعد صلاة الفجر، وكذلك قبل مجلس الذكر وأثنائه، فإن هذا أنفع للمريد.
وكيفية الرابطة الشريفة أن تقرأ التوهيبات الشريفة، وبعد الانتهاء منها تجلس
على ركبتيك مستقبلا القبلة الشريفة، ثم تستحضر صورة شيخك وتصوره بين عينيك بشدة وبقوة.
وقد
بينتها بشكل مفصل في كتابي الكنوز النوارنية من أدعية وأوراد السادة القادرية لمن
أراد معرفتها بتفصيل أكثر.
وصلى الله
على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.
كتبه بيده: مخلف العلي القادري