جديد الموقع
الشيخ أبو بكر القادري => سير مشايخ الطريقة ۞ أهم مشاكل التصوف المعاصر => مقالات في التصوف ۞ اختلاف الأمة المضحك المبكي => مقالات الشيخ القادري ۞ آداب المريدين => مؤلفات الشيخ القادري ۞ دعاء عظيم للحمل والذرية => فوائد ومجربات ۞ الصلاة الكبرى للجيلاني => مؤلفات الشيخ القادري ۞ الحرز الجامع والسيف المانع => مؤلفات الشيخ القادري ۞ درس تجربة => دروس ومحاضرات فيديو ۞ الوفاء لأهل العطاء => التعريف بشيوخ الطريقة ۞ تبصرة المسلمين وكفاية المحبين => مؤلفات الشيخ القادري ۞
الورد

كيف ننتفع بالذكر

الكاتب: الشيخ مخلف العلي القادري

تاريخ النشر: 11-06-2022 القراءة: 1392

كيف ننتفع بالذكر أشد الانتفاع وأمراض الذاكرين

يشكو الكثير من الذاكرين من عدم الانتفاع بما يذكرونه الانتفاع الكامل، والغالب يطرح سؤالاً وهو كيف نحقق الثمرة الكاملة من الأذكار لذلك أحببت أن أقدم الموضوع لأعرف السالكين بجواب هذه التساؤلات؟؟ كثير من السالكين يداومون على الاذكار والوظائف ويعملون بورد الأنفس السبعة لكنها لا تكفي مرة واحدة.

والجواب على كل هذا يكمن في شيء واحدٍ وهو التقصير والإهمال بالآداب والشروط والكيفيات الخاصة بالأذكار، لأنه لو أتينا بها وبآدابها وشروطها لكفت, ولتحققت الثمرة لكن دائما يكون فيها تقصير, فلا تكفي الأنفس مرة وربما مرتين وربما ثلاث, وهناك من يشتغل بها كثيرا دون فائدة.

ومن المهم أن نعلم جميعاً أن الأنفس ينبغي على المريد أن يكررها في كل عام مرة أو مرتين, فلابد أن نعلم أنه السبب الرئيسي في ذلك هو أننا لا نذكر بالشكل المطلوب والكيف المطلوب والعدد المطلوب والهيئة المطلوبة، فآداب الذكر هي أهم شيء في قبوله وترك الأثر المطلوب في الإنسان, فلا تنفع الكثرة إلا بإتقان الكيفية, أما إذا فشلت الكيفية فمهما بلغت الكثرة فنفعها قليل, وذلك لان الذاكر هو جليس الله تعالى ولابد لمن يجالس الملوك من التأدب بحضرتهم وإلا حرم من خيرهم وعطائهم ورضاهم, فكيف بمن يجالس ملك الملوك وسيد السادات فلابد لجليس الله تعالى من الأدب في حضرة المولى عز وجل, وينبغي أن يكون على أكمل الصفات، فمن أراد أن يجد أثر الذكر في نفسه فليلتزم بآداب الذكر التي أسلفنا ذكرها.

واعلم ولدي السالك أن الذكر هو أمرٌ عظيمٌ يجب أن يكون شاغلاً لبالك ولحياتك, بمعنى أنك عندما تذكر يجب أن تكون مستعداً على أتم الاستعداد وكأنك ستقابل أعظم الخلق في الكون، هكذا ينبغي أن يكون حالك وأنت تقابل الله تعالى, يعني بالمختصر يجب أن تعلم من تجالس, يجب أن تعلم أنت بحضرة من، فإذا استشعرت ذلك جاءت الآداب لوحدها. لكن المشكلة هي في الحضور مع الله تعالى, فإذا عرفت أنت تجالس من ؟ جاءت الآداب, أما أن نذكر هكذا دون جدية ودون اهتمام ودون مبالاة فالأثر ضعيف, وطبعاً لا مانع من الذكر في كل الأحوال, فمن أراد الانتفاع الكامل فيعد للذكر عدته وليعلم من الذي يجلس بين يديه، ولابد للجوارح من استعداد لتلقي الواردات واستقبال التجليات, فإن لم تكن مستعدة رجعت التجليات وانتثرت الواردات، فالتجليات تنزل بكل حال على الذاكر, متى ما اشتغل اللسان نزلت الواردات إكراماً للذكر وتعظيما للمذكور, ويبقى الذاكر إما أن يكون له نصيب وذلك إن كان أهلاً وإمَّا أن يحرم من ذلك، واعلم أن التجليات هي كالثمار في الشجرة عندما تضربها بحجر تسقط إليك، فالتجليات هي سحائب الرحمة في السماء تنتظر الذاكر ليرميها بذكره لتنزل عليه, فلا يصح أن يحسن الرمي ولا يحسن الاستقبال.

وينبغي على المريد أن يعرض نفسه على شيخه ويبين أعماله وأوراده كل فترة وأخرى، والشيخ الكامل يتابع المريد أيضا بأعماله وينقله بالأوراد ليكمل الانتفاع وهذا أمرٌ مهمٌ جداً تركه الكثير من الشيوخ وفقدته الكثير من الطرق فكم رأينا من الطرق ومن الشيوخ يسلك المريد فيها وتمر السنوات والسنوات والمريد على حاله ورده ثابت وعمله ثابت فكيف يصل إلى مبتغاه.

ومن نعم الله علينا أن هذا الامر لا يوجد عندنا فمنهجنا والحمد لله نركز على مجموعة كبيرة من الأوراد ونقلب المريد بين الأذكار من ذكر لذكر وقد رأيتم وعرفتم كيف أن لكل ذكر خصائص وميزات تختلف عن غيره.

اذاً فلابد للمريد من الدخول في كل الأذكار وقد ذكرنا سابقاً أن المريد كالبناء وعمله متنوع وكل ذكر له شأن يفعله بحال المريد.

وأوجه كل سالك يريد المعرفة الكاملة بالآداب الخاصة بالأذكار فليرجع إلى كتاب الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية للشعراني.

ومن الأسباب الهامة التي تمنع تحقق الثمرة الكاملة من الذكر هي العمل بالأذكار من أجل تحقيق الغايات الدنيوية والحوائج، ولا يمنع أن يعبد الله لغاية؟ إن كانت الغاية حسنة فالغايات لها أنواع منها الحسن ومنها السيء ومنها المباح وكل عابدٍ يعطى على نيته فإذا عبد الله خوفاً أمرٌ حسنٌ وإذا عبد الله طمعاً أمرٌ حسن.

لكن هناك نوعٌ آخر من الغايات وهو المرض الذي يصيب الذاكرين غالبا غير الغايات الأخرى وهذا يختلط على الكثير من السالكين وهي:

أن يشتغل الذاكر بذكره لا من أجل جنةٍ ولا من أجل نارٍ ولكن من أجل الفتوحات ومن أجل الخدام ومن أجل الروحانيات لأنهم يضيعون أوقاتهم وسنين عمرهم دون جدوى.

إذاً الخلاصة من بحثنا هذا هي أن الذكر النافع هو ما وافق الإخلاص فإذا أخلص الذاكر انتفع بذكره وأشرق نور قلبه وكُشِفَتْ الحجب من أمام روحه

وهنا لابد لنا من ذكر الأمراض التي تصيب الذاكرين ونجيب على سؤال مهم وهو:

لماذا تأخر الذاكرون في هذا الزمان عن غيرهم؟

والجواب هو هناك مجموعةٌ من العللِ والأمراض تصيب أهل الذكر فتعوقهم عن مطلبهم فما هي هذه العلل والأمراض:

المرض الأول هو عدم المداومة:

وهذا من أهم الأمور التي تؤثر على الذاكر فأغلب المريدين يبدأ بالورد لفترة ويتركه ويحول لغيره، وهكذا حال الكثير فتمر السنوات وهو في ضياع وتشتت.

وأذكر لكم قصة طيبة بهذا المقام وهي قصة الشيخ الغوث عبد العزيز الدباغ صاحب كتاب الإبريز الذي كان في بدايته يعاني من هذا المرض وكلما بدأ بورد تركه وتحول لغيره وتنقل من شيخ لشيخ حتى التقى بشيخ ذات يوم فطلب منه الورد فقال له: أعطيك الورد على أن تعاهدني ألاَّ تتركه فقبل الشيخ الدباغ فأعطاه ورداً عظيماً وهو: (اللهم بجاه محمد بن عبد الله r اجمع بيني وبين محمد بن عبد الله r في الدنيا قبل الآخرة وعلى آله وصحبه وسلم سبعة آلاف مرة) في اليوم فقال له: من أنت فرفض أن يفصح عن نفسه حتى ينتهي من الورد، وبدأ بها الشيخ حتى فتح الله عليه بهذا الورد المبارك ثم عرف أن ذلك الشيخ هو الخضر u، فتبين أن من أهم أسرار الذكر المحافظة على الورد وملازمته حتى تنال بركته.

المرض الثاني: هو التقليل من الورد:

وهذا من أعظم الأمراض وهو أن الكثير من المريدين يريد الولاية والفتح والخير ببعض المئات أو الآلاف وهذا خلاف ما عليه أهل الله تعالى، فمن أراد أن يذوق ما ذاقوا وأن يصل لما وصلوا فعليه بالكثير، وأضرب لكم أمثلة حقيقية:

كما ورد عن أهل الله وقد ذكر هذا أبو طالب المكي في قوت القلوب أن الدخول في الولاية بالتوحيد يحتاج لسبعين الفاً في اليوم، وورد عن بعض الصالحين أنهم كانوا يصلون على النبي r خمسين ألفا في اليوم حتى يرون الحبيب يقظة لا مناماً وهكذا الأوراد.

فمن أراد أن ينال فلابد من العمل لكننا اليوم مهما أعطينا المريد طلب أن نخفف عنه ولا يوجد أي مساعد آخر من الطاعات الأخرى من قيام وصيام وقرآن وغيرها وهذا هو المرض الثالث سنتكلم عنه بعد قليل، ومن الأمور المضحكة هذه القصة الطيبة:

جاء رجل إلى أحد مشايخنا وقال: يا سيدي هل يجوز أن أصلي التراويح ثمانية في المسجد وأكمل بالبيت؟ فقال له: نعم، قال طيب هل يجوز أن أصلي ثمانية فقط؟ قال له: نعم، قال: طيب هل يجوز أن أصلي أربعة في المسجد وأربعة بالبيت؟ فقال له: نعم، ثم قال: طيب يا شيخ هل يجوز أن أصلي أربعة أول الليل وأؤجل أربعة بعد السحور؟؟ وهذه قصة حدثت أمامي والله عندها هم الشيخ أن يبطش بالرجل، وهذا حال أكثر المريدين اليوم عافانا الله وإياكم.

المرض الثالث وهو القصور في الطاعات والسنن والنوافل:

وهذا أمر عظيمٌ وخطيرٌ جداً وهو أن أكثر المريدين اليوم تاركون لكل الواجبات فلا سنن ولا نوافل ولا قيام ولا صيام وربما البعض غارق بالمعاصي فكيف ينتفع بذكره، بل الذكر مع هؤلاء نفعه قليل كالشمعة في الصحراء كلما اشتعلت تكاد تنطفئ وإذا اشتعلت نورها لا يكفي وسرعان ما تذوب لأنها غير محصنةٍ وغير محميةٍ فالطاعات تحصن الذاكر والنوافل ترفعه هذه أهم الأمراض التي تصيب الذاكر. والخلاصة حالهم كما قال الإمام الرفاعيt: يأكلون بالأرطال ويشربون بالأسطال وينامون الليل مهما طال ويطلبون مقامات الرجال فوالله إن هذا من المحال. نسأل الله تعالى لنا ولكم العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة ونسأله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يتقبل منا أعمالنا وأذكارنا إنه ولي ذلك والقادر عليه آمين.

نقلاً عن كتاب

الكنوز النورانية من أدعية واوراد السادة القادرية

للشيخ مخلف العلي القادري الحسيني

حقوق النشر محفوظة للمؤلف والموقع