موانع السلوك (4): الناس
الكاتب: الشيخ القادري
سلسلة
دروس موانع السلوك
للشيخ
مخلف العلي القادري الحسيني
المانع
الأول : الناس
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً وفقهاً
وإخلاصاً في الدين وبعد :
أحبابي الكرام :
عن طريق السلوك إلى الله تعالى طريق
سهل لمن سهله الله عليه وصعب لمن صعبه الله عليه وكل أمر عسير يهون بعون الله
تعالى ومدده ، ومن طلب أن يبلغ ما بلغ الرجال فلا بد ان يقدم ما قدموا بين يدي
ربهم من طاعات وقربات وعبادات وأذكار ومجاهدات حتى ينال ما نالوا ويصل إلى ما
وصلوا إليه ،
ولعظم ما اعده الله لهم من خير وفتح عظيم فغنه جعل لهم في هذه الطريق ابتلاءات
وامتحانات ليمحصهم ويميزهم فبضاعة الله غالية وسلعته غالية وعي الجنة واعظم من
الجنة هي الرضا والحب والمعرفة بالله سبحانه وتعالى والتلذذ بقربه والاستئناس
بحضرته وقد قال تعالى في محكم تنزيله : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ
اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) وقال جل في علاه : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ
مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ
وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ
اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ )
وقال : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا
وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ
دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ
بِمَا تَعْمَلُونَ)
.
فعلم من هذه النصوص ان الطريق إلى
الله مليء بالمجاهدات ، وقال النبي صلى الله عليهِ وآله وسلم : حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات .
واعلم انك إذا بدأت السير إلى الله
تعالى فإن الله يهيئ لك فتن ومحن وابتلاءات ليمحصك ويميزك ولتصل إلى الحضرة
القدسية بجدارة وبقوة ، وقد ذكرنا في المقدمة أن الله سيجعل في طريقك أربعة موانع
واعداء لن تصل إلى الحضرة ما لم تتغلب عليهم وهم : ( الناس – الدنيا – الشيطان –
النفس ) وأول هذه الموانع الذي يعترض طريقك إلى الله هم الناس من حولك بدءاً من
أسرتك حتى مجتمعك كله فيخرج لك من الناس من يحاول ان يثنيك عن طريقك ويردك عن
المراد الأسمى ويمنعك من الوصول وهؤلاء هم شياطين الإنس كما وصفهم الله ، ولا
ينجوا احد من شرهم حتى الأنبياء فما من نبي بعثه الله إلا كان اهله واقاربه أول من
يقف في طريق دعوته قال الله تعالى : (وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي
بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا
فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ
الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا
هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)
) فمن استعان بالله وجاهد نجى منهم ووصل للمراد ومن خسر امامهم رجع من أول الطريق
خائبا خاسرا ، والآن لابد لنا من ان نبين كيف يكون الناس عدوك في طريقك إلى الله
تعالى .
ولمعرفة تأثير الناس على السلوك لابد
من معرفة أقسامهم من حيث كونهم موانع للسير إلى الله تعالى ، فهم انواع ولكل نوع
تأثير يختلف عن غيره وأقسام الناس في هذا هي :
القسم الأول: أصحاب
السوء
وهذا القسم هو الخطر على السالك
بالإطلاق بل يكاد يكون هو المشكلة الرئيسية للسالكين في هذا الزمن وقد وردت نصوص
كثيرة جدا في القرآن والسنة تبين هذا ويكفي ان نذكر حديث النبي المصطفى صلى الله
عليهِ وآله وسلم لى الله عليه وسلم حيث يقول: (مثل
الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكبير (
الحداد نافخ النار) فحامل المسك اما ان يحذيك واما ان تبتاع منه
واما ان تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير اما ان يحرق ثيابك او تجد منه ريحا نتنة ).
وقال صلى الله عليهِ وآله وسلم (والغفلة يحشر
المرء على دين خليله )
وقال صلى الله عليهِ وآله وسلم صلى الله عليهِ وآله
وسلم لى الله عليه وسلم : (لا تصاحب الا مؤمنا ولا يأكل
طعامك الا تقي( وكل
هذه النصوص وغيرها تامرنا ان
نحذر من صحبة ناقصي وقليلي الايمان واهل المعصية فكم من مؤمنا تقي ابتعد عن المنهج بالصحبة السيئة، وكم من
عاص مذنب اهتدى بالصحبة .
والخلاصة يجب عليك ان تصحب من إذا
ذكرت اعانك وإذا نسيت ذكرك وإذا عصيت نهاك وإذا غفلت نبهك ، ومن أجل هذا كان
للصحبة دور عظيم فلقد حثنا الشرع على صحبة الصالحين فقال الله تعالى : ( اتقوا
الله وكونوا مع الصادقين ) وورد عن سيدي احمد الرفاعي الكبير ضي الله عنه يقول: (
العزلة خير من صاحب السوء والصاحب الحسن خير من العزلة ) .
وعلاج هذا القسم هو الصحبة الصالحة
ولا شي سواها ينفع ، فافهم أخي السالك إن أردت الوصول فاجتب هذا الصنف من الناس
وفرَّ منهم فرارك من الأسد فدينك اهم من كل شي دينك دينك لحمك ودمك كما قال
المصطفى .
القسم الثاني : صنف
المستهزئين :
وهؤلاء من اعظم الفتن التي يعاني منها
السالك ، والأنبياء لم يسلموا منها فما من نبي إلا واستهزء به قومه حتى سيدنا محمد
صلى الله عليهِ وآله وسلم لى الله عليه وسلم ، وهذا الصنف خطير جداً فغايتهم هو
ثنيك عن بغيتك فيستهزؤوا بك ليفقدوك قيمة منهجك فمنهم من يصفك بالجنون ومنهم من
يسخر منك ومنهم من يضحك عليك ومنهم من يسفه منهجك ولو رجعت للقران لوجدت الكثير في
قصص الأنبياء كيف تعرضوا للاستهزاء ، وما أكثرهم هذا الزمان فمنهم من يظهر بثوب
الصاحب المود لك يريد ان يبصرك ، ومنهم من يلبس ثوب العلم ومنهم من يلبس ثوب
الشيطان علنا.
فاحذرهم كل الحذر وإياك أن تتخاذل
وتتراجع واعلم إنها مرحلة وستزول ان صبرت واجاهدت ن وان تراجعت واستسلمت فلت تقوم
لك قائمة بعدها .
وهذا الصنف له اثر سي على السالك بحيث
يصبح بعض السالكون يستحييون من عبادتهم ومن ذكرهم ومن سنة النبي خشية هؤلاء ، فكم
من سالك يستحيي ان يربي لحيته ومنهم من يستحيي أن يحمل مسبحته ومنهم من يستحي ان
يلبس لباس السنة ومنهم من يستحيي ان يضع على رأسه طاقية أو عمامة ومنهم من يستحيي
ان يرتاد المسجد وهذا حال مرير جدا وبالتالي يترك كثير من العمل من أجل هؤلاء وهذا
واقع يعرفه الكثير منا في هذا الزمان بل وصل الأمر إلى انهم يخفي سلوكه يستحيي أن
يقول اني سالك والله المستعان
وهناك أمر خفي يدخله الشيطان عليك وهو
ان يثنيك عن كثير من العمل بذريعة انه يبعدك عن العجب والرياء فكما ان العمل من
اجل الناس اثم عظيم كذلك ترك العمل من اجلهم خسارة كبيرة
وعلاج هذا الصنف : يكون بالاستعانة
بالله تعالى وبملازمة الشيخ المرشد لن هذا الصنف يزرع فيك مرض عضال لابد له من
صحبة رجل مرشد خبير يخلصك من هذا ومن علاجه أيضا قراءة سيرة وقصص الانبياء
والصالحين ، وأذكر لك أمثلة الشيخ عبد القادر الجيلاني كان يلقب ببغداد الفتى
الجيلي ومجنون بغداد لسنين ، سيدنا الرفاعي البدوي كلهم تعرضوا لهذا الشيخ الاكبر
وفوق هذا كله الأنبياء وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى الله عليهِ وآله وسلم لى الله
عليه وسلم فلو قرات سيرته وما تعرض له لوجدت عبرة عظيمة في ذلك والله اعلم .
القسم الثالث: أهلك وأقرباءك بزعم الخوف عليك
وهذا أمر معروف لدى كثير من السالكين
وخاصة الشباب منهم فما إن يبدأوا بالسير والسلوك حتى يجدوا معاداة لهذا من قبل
أهله امه وابيه وزوجته واعمامه واخوته وكلهم يدعي الخوف عليك وهذا كله بوازع
شيطاني فكم من شباب تركوا الطريق نتيجة ضغط من أهليهم وكم من أباء وامهات يمنعون
أبناءهم من الصيام والقيام ومجالس الذكر وصحبة الصالحين وغالبا يكون دافعهم الخوف
عليك ، ويكون كلامهم كله واحد التزم بعبادتك كبقية الناس وكفى صلي ببيتك ويكفي ويصورون
لك الدين انه صلاة وفقط بل ويزداد الأمر ان يقولوا لك مازلت شابا عيش حياتك كبقية
الشباب ولما تفعل بنفسك هذا ومن هذا الكلام الكثير وهذا معروف فكم من سالكي الطريق
تركوها نتيجة هذا وكم من رجال تركوا الطريق بسبب ضغط ازواجهم وربما تصل الأمور إلى
ان يقولوا انك مجنون
وعلاج هذا الصنف يكون بالحكمة والرحمة
فلا يجوز ان يكون بالعنف والنفور بل يجب أن تعلم أن هذا ابتلاء من الله وعليك أن
تصبر وتداري عنهم وتحاول ان لا تفتح حربا وعداوة بينك وبينهم وتدعو لهم بجوف الليل
في صلاتك وسجودك فإن فعلت هذا ستجد أن الله تعالى يفرج عنك ويسخرهم لك ويظهر
كرامتك عندهم فيصبحون كلهم خدما لك في هذا الطريق والتوكل على الله تعالى بل ويجب
ان تقدر أن ما يفعلونه بدافع الشفقة والرحمة عليك
واحذر ان تفعل كما يفعل البعض من
معاداة ابيهم وامهم واخوتهم بذريعة انهم يمنعونه من الطريق فهذا غلط كبير وهي حفرة
أوقعك الشيطان بها فقد قال الله تعالى في قرانه ( فصاحبهما في الدنيا معروفا ) هذا
قصد به الأبوين الكفرة فكيف بالمسلمين احذر كل الحذر من هذا
القسم الرابع: المعجبون
بك والمفتونون بك:
وهذا من اخطرهم على السالك فكل سالك
في بدايته يظهر الله على يديه الخير ويلتفت الناس اليه وربما تظهر له أحوال طيبة
فيجد كثيرا من الناس يلتف حوله ويمده ويثني عليه ويعجب به ويفتتن به فيمدحونه
ويطرون عليه وهذا خطر عظيم بل وهي مصيدة خطيرة للشيطان يسعى من خلالها للإيقاع بك
في حفرة العجب والغرور وهذا المرض من أشد الأمراض على السالك ، فاحذر كل الحذر ولا
تفتن بمن يمدحك حتى لو كان شيخك يجب أن يزيدك مدح الناس كسرا لنفسك وذلا بين يدي
ربك ، ويزيدك طاعة وعبادة وهذا الصنف لابد منه لا محالة فلا ينجو منه احد ابدا فكن
على حذر ولا تنخدع بما يقولوه عنك وفيك بل يجب عليك أن تحقر نفسك وتذلها وتكسرها
كلما ظهر شأنك حتى يظهرك الله وكلنا يعلم حادثة تقبيل اليد للإمام الرفاعي ضي الله
عنه حيث استلقى على باب السلام ومر الناس من فوقه ليكسر نفسه بعد ظهور كرامته على
الملأ
وعلاج هذا بالاستعانة بالله تعالى
والرجوع للشيخ في كل الأحوال واهم علاج له قراءة كتب القوم وسير الصالحين لأن في
قصصهم عبرة لك تكون حاجزا بينك وبين النفس والشيطان والله تعالى اعلم واعلى
وفي هذا بيان شافي وكافي لكل سالك في
كيفية تأثير الخلق على سيرك إلى الله تعالى وكيف يكون عملهم ووسواسهم فإن التزمت
بما نصحتك به نجوت من العدو الأول وهو الناس ويكفيك قول الشافعي في الناس
الناسُ
داءٌ دفيــــــنٌ لا دواءَ لهــــم * * * و العقلُ قد حارَ فيهم و هو منذهلُ
إنْ كنتَ منبسطاً سمّوك مسخرةً * * * أو كنتَ مُنقبِضـاً،
قالـــوا به ثِقَـــــــلُ
و إنْ ســــــألتهم ماعونَهُم منعــوا * * * و إنْ تعففتَ
قالوا: قد طغــى الرّجلُ
و إن تُخالطـــــهم قالوا: بهِ طمـــعٌ * * * و إنْ تُجبــــهم
قالــــــــوا: بـــهِ ملـلُ
... و إنْ تعريتَ قالـــوا: لا جمــــالَ له * * * و
إنْ تلَبَّســـــتَ قالوا: قد زها الرجلُ
و إنْ تصوَّفــتَ قالـــوا: فيه منقصةٌ * * * و إن تزهَّدتَ
قالـــــــوا: كلّــــها حِيَـلُ
و إنْ تعَفَفتَ عن أموالــــهم كرمــاً * * * قالوا: غنيٌّ، و
إن سألتــــَهم بَخِلُــوا
لقد تحيَّــرتُ في أمري و أمـــرهم * * * لا باركَ اللهُ
فيـــهم كلُّـــهم سُـــفــلُ
نسأل
الله ان يوفقنا لما يحبه ويرضاه وينصرنا جميعا على كل الموانع ويوصلنا لحضرته انه
ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم والحمد لله رب
العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
والحمد لله رب العالمين.