قواعد السلوك (2): المنهج الصحيح
الكاتب: الشيخ القادري
سلسلة دروس قواعد السلوك
للشيخ مخلف العلي القادري الحسيني
القاعدة الثانية: المنهج
الصحيح
بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً وفقهاً
وإخلاصاً في الدين وبعد :
أحباب وإخوتي الكرام:
اعلموا أحبتي الكرام أن
من أهم القواعد التي تعين المريد في سلوكه هو وجود المنهج الصحيح الذي يتبعه المريد ويسلكه في سيره. لذا وجب علينا أن نتقيد
بخطوات نلتزم بها لمعرفة هذا المنهج:
أولا :كيف نعرف المنهج الصحيح؟
المنهج
الصحيح له صفات يجب أن تتوفر فيه حتى يكون كذلك؛ فما هي
الصفات التي يجب أن تتوفر في المنهج حتى يكون صحيحاً ؟ وصفات المنهج الصحيح هي:
الصفة الأولى: يجب أن يكون معصوماً
وعصمته تكون من واضعه؛ والمنهج الذي لم يكن معصوما فلا خير فيه؛ لذلك نجد منهج دين
الإسلام فاق على الجميع؛ لأنه عن المعصوم الذي لا يخطأ ولا يسهو ولا ينسى؛ ومنهجنا
إنما هو مقتبس عن الحق جل وعلا ورسوله .
والصفة الثانية
:أن يكون صالحاً لكل زمان ومكان.
والصفة الثالثة: أن
يكون
فيه القدرة على
تحقيق مراد الله تعالى فينا.
والآن كما قلنا منهجنا
معصوم لأننا نأخذه عن الله وعن رسوله وعن أتباعه؛ وهو صالح لكل زمان ومكان لان
واضعه هو الحكيم العليم؛ و يلبي جميع الحاجات؛ وفيه القدرة على تلبية وتحقيق مراد
الله فينا.
فما هو مراد الله فينا؟ إن مراد الله فينا ومراده منا: هو أن نكون عبادا لله بحق؛ هذا هو المراد الأعظم؛ وله فروع هي: أن نكون خلفاء الله في الأرض؛ ولن نكون إلا إذا تحققنا بالعبودية, وإذا
توصلنا إلى هذه النقطة ننطلق منها؛ غايتنا من العقيدة الصحيحة وغايتنا من المنهج الصحيح هو أن نكون عبادا لله تعالى من خلال المنهج الصحيح.
الأمور التي تحقق عبوديتنا لله من
خلال
المنهج:حتى يجعلنا المنهج عباداً لابد من تحقيق عدة أمور
وهي المراد من المنهج وهي:
1. تقويم العقيدة .
2. تقويم السلوك.
3. سلامة القلب.
4. تزكية النفس.
5. الرقي بالروح وإعادتها إلى عالمها الأسنى.
6. التلذذ بثمرات التحقق بالعبودية.
إذاً المنهج الصحيح إذا استقام الإنسان عليه يجب أن يتحقق بهذه الأهداف الستة
التي ذكرناها؛ لذلك كما ورد إن روح المؤمن يؤذن لها في الرقي للعرش في
الطواف أينما تريد إذا كانت طاهرة و المنهج الصحيح إذا استقام الإنسان عليه يجب أن يتحقق بهذه الأهداف الستة
التي ذكرناها وعندها يكون قد تحقق بمعنى العبودية .فكلنا مرجعنا هناك ونرتقي ونسلك لنصل إلى نقطة البداية؛
لنصبح عباداً ربانيين ؛ أي :عبد رباني بمعنى: أن افعل فيك واحيي تلك النفخة التي
نفختها في أبيك ادم؛ وكأن الله ينفخ في العبد كما نفخ في أبينا ادم فتحييا كل الجوارح ويحيا القلب فيصبح متصفا ببعض صفات
الله التي يمكن أن يتصف بها عباده فيقول للشيء كن فيكون؛ ويضع فيه من أسرار القدرة ؛و أسرار العظمة ؛وأسرار المحبة؛ وتكشف
البصر والبصيرة؛ والسمع؛ ويتجلى هذا بالحديث القدسي:كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ...... إلى آخر الحديث. فأهل الله يسلكون هذا المنهج ليحيون النفخة التي نفخت في أبينا آدم وأصلها وسرها موجود في كل
البشر لكنها لا تحييا ولا تفعل في الجميع عندها تصبح الثمرات وتتحقق الصفات.
ثمرات وصفات عبادة الله
بالمنهج الصحيح:
أما الثمرات: فهي الخوارق والكرامات بكل أنواعها.
وأما الصفات: فانه
لا يتحرك ولا يسكن ولا ينطق إلا بالله؛ ووفق إرادة الله وتحت مراد الله.
طريقة أهل الله في
استخراج القوة الكامنة للجسد:
وأهل الله لهم قاعدة
يتبعونها؛ يستخرجون القوى الكامنة في هذه الجسد من خلالها بالسلوك لطريق الله وبالخلوات والأوراد والأذكار
والمجاهدة فيتوصلون إلى كشف الحجب عن البصر وعن السمع وتتحرر الروح من عوالق
الدنيا فتظهر الخوارق والكرامات, وبهذا هم يختلفون عن غيرهم بالمنهج الذي
يتبعونه وهذا ما يدور عليه درسنا اليوم.
معنى العصمة :
ما هي العصمة؟ هل هي عدم صدور الذنب؟ أم
هي عدم قابلية صدور الذنب؟ وهناك فرق دقق بالسؤال.
عصمة الأنبياء والأولياء : هل هناك معصوم غير الأنبياء: يقول
رسول الله : والمعصوم من عصمه الله.
إذا هناك أناس
يعصمون بأمر الله تعالى؛ لكن الفرق بين عصمتهم وعصمة الأنبياء هي كالتالي: عصمة النبي منذ ولادته كما قرر العلماء
أي معصوم من الأصل حتى
قبل أن يبعث وهو
القول الراجح ومنهم من قال غير هذا مستدلاً بقتل موسى للقبطي الفرعوني.
أما عصمة الولي : فهي
حادثة
يعني تأتي بعد وصوله
لمكان معين وتحققه بمرتبة معينة
.
وأما عصمة النبي :هي عدم القابلية للمعصية يعني هي مستحيلة بحق النبي.
مسألة مهمة: عصمة
الولي
ليس بمعنى عدم
القابلية إنما هي حفظ من الله له فلا يقع بالمعصية لكنها تبقى قابلة على الدوام يعني بأي لحظة ممكن أن
يمكر الله به لكنه مادام في مقامه الذي جعله الله فيه فلا يعصى إلا أن
خرج عن مقامه وهذا مثل قول النبي : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا
يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن. ومعناه عند حالة المعصية يرفع الإيمان
منه وذا خرج من مقامه وقع فيها ويمتنع عنه ذلك الولي في حال قربه ومقامه وإلا كيف نفسر قوله تعالى في الحديث: كنت سمعه وبصره ورجله ويده ؟؟؟ إن كان
يسمع بالله ويبصر بالله
ويمشي بالله ويبطش
بالله؛ كيف يعصى وهو في هذه الحالة؟ كما يقول ابن حجر في الفتح:
حتى كأنه سبحانه ينزل نفسه من عبده منزلة الآلات التي يستعين بها ولهذا ؛ إن الكرامة
ليس دليل على المقام؛ ربما رجل لا تظهر على يديه كرامات وهو أعلى من غيره؛ لكنها
لا تظهر إلا بالوصول لمقامات ؛و يشترط أن لا ينشغل بها. قال
ابن حجر في الفتح (الجزء 11 صفحة 344 ) : المعنى:
كليته مشغولة بي فلا يصغي بسمعه إلا
إلى ما يرضيني ولا يرى ببصره إلا ما أمرته به؛ وهذا من كلامه أيضاً: إن الولي معصوم
بالحفظ من الله له في هذا المقام فقط؛ وهو قابل للخطأ بأي الحالات.
من أين نستمد هذا المنهج الذي تكلمنا عنه؟
أولاً: من كتاب الله تعالى
ثانياً: من السنة الشريفة
ثالثاً: من منهج العارفين
والعلماء العاملين
ورابعاً: من صحبة مرشد كامل سار
بهذا المنهج قبلنا وهو ما سنأخذه في الدرس القادم إن شاء الله.
الخلاصة:
إن المنهج مرتبط بالمرشد الذي اسلك بين يديه لتطبيق المنهج فهو أدرى به؛ وهنا لابد من توضيح مسالة؛ هل
يشترط للوصول أن يكون الإنسان سالكا بين يدي شيخ؟
الجواب :لا يشترط قد
يصل الإنسان بلا شيخ؛ وبلا مرشد؛ لكن يكون دائما في خطر.هل من يسافر إلى بلد لأول مرة لوحده
مثل من يسافر بصحبة واحد من أهل
البلد؟ أكيد هناك
فرق...وهذا هو الفرق بين السالك بصحبة شيخ والسالك لوحده .يمكن أن يطير لكن نخشى عليه من السقوط؛ وإذا سقط لا يوجد من
يأخذ
بيده؛ لكن بصحبة
الشيخ يطير وإذا سقط هناك من يأخذ بيده
.
من أخلاق التصوف:
كنت حاضرا؛ وكنا في
ليلة العيد؛ فقام رجل ووقف أمام الحاضرين؛ وبيده حفنة من سكر النبات؛ فتكلم
بكلام بذي على الشيخ؛ كلام شديد؛ ثم ضرب الشيخ على وجهه بسكر النبات؛ حتى وقفت بعض
القطع بلحيته الكريمة؛ فانتفضنا كلنا على الرجل؛ وكان أولاد الشيخ سبعة من
الجالسين؛ فصرخ الشيخ بأعلى صوته اجلسوا؛ فامرنا بالجلوس؛ وصار يلتقط قطع السكر ووزعها على
المريدين وكنت ممن اخذ قطعة؛ ثم قام الشيخ إلى الرجل وقبله وأجلسه وصار يعتذر منه؛ والرجل
يزداد سباً وينفر من الشيخ؛ وخرج من المجلس؛ ورجع الشيخ وجلس؛ وما هي إلا دقائق
فيعود الرجل باكياً نادماً وصار يقبل يد الشيخ ورجله . والله هذا الموقف
أمامي؛ وكنت من الشاهدين؛ هذا هو تصوفنا.
وصلى
الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً والحمد لله رب العالمين