جديد الموقع
الشيخ أبو بكر القادري => سير مشايخ الطريقة ۞ أهم مشاكل التصوف المعاصر => مقالات في التصوف ۞ اختلاف الأمة المضحك المبكي => مقالات الشيخ القادري ۞ آداب المريدين => مؤلفات الشيخ القادري ۞ دعاء عظيم للحمل والذرية => فوائد ومجربات ۞ الصلاة الكبرى للجيلاني => مؤلفات الشيخ القادري ۞ الحرز الجامع والسيف المانع => مؤلفات الشيخ القادري ۞ درس تجربة => دروس ومحاضرات فيديو ۞ الوفاء لأهل العطاء => التعريف بشيوخ الطريقة ۞ تبصرة المسلمين وكفاية المحبين => مؤلفات الشيخ القادري ۞
المقال

مقدمة عن التصوف

الكاتب: الشيخ القادري

تاريخ النشر: 11-06-2022 القراءة: 1442

مقدمة عن علم التصوف

إنه من المعلوم للكبير والصغير، وللقاصي والداني، وللعربي والعجمي، من علماء هذه الأمة الفاضلة أنَّ علم التصوف هو من أجَّلِ العلوم الإسلامية التي قامت عليه الشريعة الإسلامية، ونحن عندما نقول علم التصوف فإننا نعني بهذه الكلمة التصوف الصحيح الذي بُنيت أُسُسَهُ وقواعده على الكتاب والسنة، التصوف الذي بني على الزهد والتربية والسلوك، الذي هو أصل من أصول الشريعة الغراء، بل إنَّ الزهد هو أحد مصطلحات التصوف، حتى أن الذين كتبوا في علم التصوف من الأوائل كتبوا باسم الزهد كأحمد بن حنبل وعبد الله بن المبارك، والحكيم الترمذي وغيرهم.

وإن ظاهرة الزهد ظهرت وبانت ملامحها منذ عصر الصحابة الكرام كعبد الله بن رواحة وعبد الله بن مسعود وسلمان الفارسي وأبو ذر وأبو الدرداء وأبو هريرة الذين كانت لهم مدارسهم في الزهد الذي نشروه بين الناس.

بل إن أعظم مدرسة للزهد في الحقيقة هي مدرسة الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه الذي ضرب أروع الأمثلة في سيرته للزهد والتقشف، فهو الذي أمره ربه عز وجل فقال له: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (1).

فكان صلى الله عليه وسلَّم الله عليه وآله وسلم سيد الزهاد وخيرهم ومنه أخذ الصحابة الكرام منهجهم في الزهد، وعلى رأسهم سادتنا الخلفاء الراشدين رضوان الله تعالى عليهم، ولا سيما أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام، فأخذ عنه ولداه الحسن والحسين، والحسن البصري, وأخذ عن أمير المؤمنين عمر أويس القرني, وأخذ عن خليفة رسول الله الصديق سيدنا سلمان، ثم اخذ عنهم غيرهم، كعبد الله بن المبارك، وإبراهيم بن ادهم, والفضيل بن عياض, ومعروف الكرخي، ثم عنهم أخذ غيرهم، كالجنيد البغدادي, وأبو بكر الشبلي, وسري السقطي, وذو النون المصري، ثم أخذ عنهم الأئمة الأعلام كالجيلاني والرفاعي والبدوي والدسوقي والشاذلي والسهروردي وغيرهم.

وبهذا تأسس علم التصوف وظهرت مدراسه المتعددة المتنوعة، وبنيت قواعده ووضعت أسسه، فهو علم كبقية العلوم له أصوله وله أسسه وله قواعده ومبادئه، وهو مأخوذ من الكتاب والسنة وأصحاب النبي الكرام وآل بيته الأطهار، ومن تبعهم بإحسان.

فكان ظهور هذه الفئة من العباد والزهاد تذكيراً للمجتمع وإيقاظاً له، خاصةً أن بوادر الترف في حياة المجتمع كانت قد بدأت تظهر فكان لظهور هؤلاء العباد ولأقوالهم وأحوالهم أثراً تحذيرياً للمجتمع من أن يقع فريسة الترف والغفلة وتذكيراً له بمهمته الأساسية من الذكر والعبادة، وإعلاناً بأن هذه الدنيا لا قيمة لها، فهذا كان له أثر الإيقاظ للمجتمع وبوادر الترف تهجم عليه، ولذلك كانت أقوال هؤلاء العباد تدور حول هذه المعاني وحول محبة الله عز وجل والانقطاع لـه وتقديم محبته والتعلق به على سائر العلائق.

هكذا كانت نشأة هذا العلم الجليل (علم التصوف) ولم يكن يعرف بالتصوف ولكن أطلقت هذه التسمية فيما بعد، وسيأتينا بيان ذلك مفصلاً في الأبحاث الآتية إن شاء الله تعالى.

ولو رجعت إلى رجال التصوف الأوائل الذين أسسوه ممن ذكرناهم كانوا كلهم علماء عاملين، دعاة إلى الله، ساروا إلى الله بالكتاب والسنة ملتزمين بالسلوك المحمدي وبسيرة السلف الصالح العظام وكانوا دعاة إلى الله.

فلذلك ظهرت أنوارهم وبقيت آثارهم، فالتصوف حقيقة أن تتعلم العلم الشريف الذي هو فرض عين على كل مسلم ومسلمة ثم تعمل بهذا العلم الذي تعلمته، ثم تسعى لاكتساب الصدق والإخلاص وذلك بالاستعانة بالله تعالى والعكوف على الذكر والعبادة لتصفية الروح وتزكية النفس وشفاء القلب السقيم، فلا تصوف بدون علم ولا ينفع العلم بلا عمل ولا عمل بغير أدب، ومن قال بغير هذا فهو ليس من التصوف في شيء.

ولما صدقوا وأخلصوا سخر الله لهم العباد وألقى هيبتهم في قلوب السلاطين والملوك والحكام، فسعى الملوك ورائهم بينما الناس تسعى وراء السلاطين والحكام والأمراء، ولما نظروا للدنيا بعين الحقيقة بنظرة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم (لَا تُعْدَلْ عندُ اللَّه جنَاح بَعوضَة) فتح الله عليهم، وكثر السالكون على أبوابهم، واتبعهم الناس واهتدوا على أيديهم، واناروا الطريق للضُّلال، واسلم على أيديهم الكفار، ورجع الفساق إلى جادة الصواب فكانوا مشاعل من نور أضاءت للناس طريقهم ووضحت لهم سبلهم جعلنا الله منهم آمين.

1) سورة الكهف: [الآية: 28].

نقلا عن كتاب الدرر الجلية

في أصول الطريقة القادرية العلية

للشيخ مخلف العلي القادري