شُرُوطُ الْمُرِيدِينَ وَآدَابُهُمْ
قَالَ الشَّيْخُ نُورُ الدِّينِ قُدِّسَ
سِرُّهُ مُوصِيَاً لِخَلِيفَتِهِ السَّيِّدِ أَحْمَدَ وَمُرِيدِيهِ: وَمِنْ شَرْطِ
الْمُرِيدِ: «أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِيمَاً عَلَى عَزَائِمِ الشَّرِيعَةِ
وَلَا يَأْخُذَ بِالرُّخَصِ، وَلَكِنَّ الْمُرِيدَ إِذَا كَانَ ضَعِيفَاً وَلَمْ يَقْدِرْ
عَلَى اتِّبَاعِ عَزَائِمِ الطَّرَيِقَةِ الْمَعْهُودَةِ بَيْنَ الْقَوْمِ كَمَا تُتْلَى
عَلَيْكَ، يَكْفِيهِمْ مُجَرَّدُ الْاِنْتِسَابِ إِلَى الْمَشَايِخِ بِالْمَحَبَّةِ».
وَاعْلَمْ يَا أَخِي سَيِّدَ أَحْمَدَ: «أَنَّ أَعْظَمَ شَيْءٍ
فِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مَحَبَّةُ الْمُسْلِمِينَ، سَوَاءً كَانُوا مُذْنِبِينَ أَوْ
ظَالِمِينَ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْعُصَاةِ وَأَهْلِ الْكَبَائِرِ، لِتَتَحَقَّقَ
أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ يُظْهِرُ الْبُغْضَ وَالْعَدَاوَةَ فِي حَقِّ الْعَاصِي
ظَاهِرَاً رَجَاءَ صَلَاحِهِ، وَتَرْكِهِ الْمَعْصِيَةَ، وَلَكِنَّ الْقَلْبَ عِنْدَ
إِظْهَارِ الْكَرَاهِيَةِ يَكُونُ شَفِيقَاً وَرَحِيمَاً عَلَى الْعَاصِي.
قَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَكُونُ
مُؤْمِنَاً؛ حَتَّى تُحِبَّ لِأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ مِنَ الْخَيْرِ، وَتَكْرَهُ
لَهُ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ مِنَ الشَّرِّ».
وَمِنْ شَرْطِ الْمُرِيدِ: «أَنْ يَكُونَ
صَفُوحَاً يَعْفُو عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ، لَا حَارَّاً».
وَمِنْ شَرْطِ الْمُرِيدِ: «أَنْ يَنْظُرَ
إِلَى كُلِّ أحَدٍ بِعَيْنِ الشَّفَقَةِ، وَيُكَلِّمَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ
عُقُولِهِمْ».
وَمِنْ شَرْطِهِ: «أَنْ يَكُونَ حَسَنَ
الْخُلُقِ، وَأَنْ يَكُونَ لَيِّنَاً صَابِرَاً عَلَى أَذِيَّاتِ الْإِخْوَانِ وَالْجِيرَانِ،
وَأَنْ يَكُونَ نَاصِحَاً لِلْمُسْلِمِينَ». وَمِنْ شَرْطِ الْمُرِيدِ: «حِفْظُ
حُرُمَاتِ الْمَشَائِخِ وَالْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ بِحِفْظِ الْأدَبِ
وَتَعْظِيمِهِمْ، وَأَنْ يَكُونَ رَحِيمًا بِغَيْرِهِمْ مِنَ الصِّغَارِ
وَالْكِبَارِ، وَأَنْ يَأْخُذَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْأَحْوَطِ وَالْأَشَدِّ فِي كُلِّ
شَيْءٍ، مَثَلَاً إِذَا دَعَتْكَ نَفْسُكَ إِلَى نَوْمِ اللَّيْلِ كُلِّهِ، فَيَنْبَغِي
أَنْ تُخَالِفَهَا فَتَقُومَ جُزْءَاً مِنَ اللَّيْلِ، وَإِذَا دَعَتْكَ إِلَى مُقَابَلَةِ
الْخَصْمِ بِمِثْلِ مَا صَنَعَ مَعَكَ، فَيَنْبَغِي أَنْ تُخَالِفَهَا وَتُحْسِنَ
إِلَى الْخَصْمِ، وَإِذَا دَعَتْكَ إِلَى إِفْطَارِ جَمِيعِ الشَّهْرِ، فَيَنْبَغِي
أَنْ تُخَالِفَهَا فَتَصُومَ مِنْهُ قَدْرَاً، وَإِذَا دَعَتْكَ إِلَى
الْبَطَالَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَحْمِلَ عَلَيْهَا ثِقَلَ الْكُلْفَةِ مِنْ نَشْرِ
الْعِلْمِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَمُرَاقَبَةِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ».
وَيَا أَخِي سَيِّدَ أَحْمَدَ: «تَأَمَّرْ الْمُرِيدِينَ
مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ: أَنَّ مَنْ لَمْ تَحْبِسْهُ قَوَاطِعُ الْكَدِّ لِأَهْلِهِ،
فَتَأَخَّرَ عَنِ الْخَلَوَاتِ فُقُلْ لَهُ: لَسْتَ عَلَى طَرِيقِ الشَّيْخِ عَبْدِ
الْقَادِرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ فَإِنَّ مَبْنَى هَذَا الطَّرِيقِ عَلَى الْخَلْوَةِ
وَالصِّيَامِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَمُرَاقَبَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَزَّ وَجَلَّ،
وَقِيَامِ اللَّيْلِ، وَحُضُورِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَذِكْرِ الْجَهْرِ مَعَ
مُوَاطَأَةِ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَالنَّوْمِ عَلَى الْوُضُوءِ وَالْأَذْكَارِ
السَّابِقَةِ، وَالْعَفْوِ عَنِ الظَّالِمِ إِذَا ظَلَمَهُ، وَصِلَةِ الْقَاطِعِ
إِذَا حَرَمَهُ، وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الْجَاهِلِ إِذَا جَهِلَ عَلَيْهِ، فَإِذَا قَابَلَ
الْمُرِيدُ مَنْ جَهِلَ عَلَيْهِ بِمِثْلِ كَلَامِهِ انْحَطَّ عَنْ دَرَجَةِ الطَّرِيقِ،
وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْعَزَائِمِ، فَمَنْ تَمَّتْ فِيهِ هَذِهِ الْعَزَائِمُ
كَمُلَتْ طَرِيقَتُهُ، وَمَنْ لَا فَلَا، وَلَكِنَّ مَنِ انْتَسَبَ إِلَى أَهْلِ الطَّرِيقِ
لَا يُحْرَمُ مِنْ بَرَكَاتِهِمْ، وَلَوْ كَانَ نَاقِصَاً»
المصدر: الكنوز النورانية الطبعة (4) ص: 137