سلوكه في الطريقة
القادرية
في
عام 1991م التحقت بالدراسة الشرعية في محافظة الحسكة بالقرب من بلدة عامودا التي يقيم فيها الشيخ، كما ذكرت فيما سبق وكانت
يومها بداية رحلتي في البحث عن الشيخ المرشد الذي أسلك على يديه الطريق إلى الله
تعالى، وبعد الاطلاع على أبناء الطرق الصوفية وأحوالهم، تشوقت وتلهفت لسلوك الطريق
على يد أحد الشيوخ الذين أسمع بهم ولهم شهرة بين الناس، فتارة كان يميل قلبي للشيخ
خلف الشوعة القادري الرفاعي الذي يسكن في الحوايج في محافظة الرقة، وتارة إلى
الشيخ زكريا العلي القادري الذي يقيم في قرية كفرغان في محافظة حلب، وتارة إلى
مفتي الحسكة الشيخ إبراهيم محمد حسن النقشبندي مدير معهدنا الشرعي، وتارة للشيخ
عبد الله السعيد الرفاعي من قرية كفر زيتا في محافظة حماة، وتارة للشيخ عز الدين
الخزنوي النقشبندي في مدينة القامشلي، وتارة للشيخ إسماعيل أبي النصر النقشبندي في
محافظة حلب، وتارة للشيخ عبد القادر عيسى الشاذلي الذي توفي في ذلك العام، وتارة
للشيخ حسين الموسى الرفاعي وأخيه الشيخ محمد الموسى أبي كلال النقشبندي من بلدة حلفايا
في محافظة حماة، ولكن لم توافق المشيئة الربانية بالسلوك على يد أي شيخ من هؤلاء
الذي عاصرتهم، وتستمر رحلتي بالبحث عن الشيخ المرشد المربي.
وفي يوم من
الأيام زارني أحد أصدقاء والدي واسمه السيد محمد عيد الحسين، وكنت أعرفه سابقاً
لكن تفاجأت بتغيير كبير طرأ عليه حيث أرخى لحيته وقد حمل سبحة بيده، ورأيته جالساً
بهيبةٍ ووقارٍ وذاكراً لله تعالى ولم يكن على هذه الهيئة سابقاً فجلست معه ومع
والدي، وكنت أتمعن به كثيراً فشعر بي وأنا أراقبه، ولما هَمَّ بالخروج لحقت به ومشيت
معه، وسألته عن سبب تغيره بهذا الشكل؟ فحدثني عن التحاقه بالشيخ عبيد الله القادري
شيخ الطريقة القادرية العلية، فدهشت من حديثه عنه وطار قلبي شوقاً للقاء هذا
الرجل، فدعاني لحضور مجلس الذكر في زاوية تتبع للشيخ في مدينتنا، فذهبت لأحضر مجلس
الذكر عندهم فراودني الحاضرون لسلوك الطريقة من وكيل الشيخ السيد عبود الجوك، وكنت
صغيراً فسلكت عن غير رضىً لكن انقياداً تحت ضغط شديد منهم، وكنت أتشوَّق للقاء
الشيخ نفسه، فلما رجعت إلى البيت وأويت إلى فراشي سألت ربي وقلت: يا رب إن كان
الشيخ عبيد الله من الصالحين وله قدم في الولاية فارني إياه في منامي يوقظني على
صلاة الفجر، فإذا بي في منامي أرى شيخاً واقفاً وأنا أنظر إليه من بعيد، وأجلس
بجانب شيخ آخر عرفت فيما بعد أنه الشيخ جنيد ابنه، وكنت أسأله من ذاك الشيخ فقال:
ذاك الشيخ عبيد الله القادري اذهب وسلم عليه فلما مشيت إليه وجدت نفسي أقف في
فراشي وأمشي، والفجر يؤذن فانشرح صدري لحضرة الشيخ وعرفت أن له قدماً في الولاية
وأنه من رجال الله الصالحين.
فالتزمت بأوراد
طريقته وآدابها وبقيت على هذه الحال من شوق وعشق لهذا الشيخ دون أن أره، وبقيت
ملتزماً بطريقته ستة أشهر ولم أرَ الشيخ ولم أجتمع به، فصارت نفسي تراودني لتغيير
الطريق والسلوك على يد شيخ آخر.
فذهبت إلى حماة
قاصداً أحد شيوخ الطريقة الرفاعية، وجلست عنده ما يقارب الساعتين والشيخ يحدثني عن
الطريق، وكان صاحب حال شديد، وكان يجذبني بقوة، فأردت أن أطلب السلوك على يده
الطريقة فصارت صورة الشيخ عبيد الله أمامي وكأنه يمنعني من ذلك، وكلما هممت
بالقيام يظهر الشيخ عبيد الله بيني وبين ذلك الشيخ وينظر إليَّ بغضب شديد، وفي
المرة الثالثة هممت بالقيام إلى الشيخ فظهر الشيخ عبيد الله امامي ونظر الي بشدة!
ثم نظر إلى ذلك الشيخ فإذا بالشيخ يلتفت عني ويحدث الحاضرين، فعلمت أن الأمر فيه
سر عجيب؟ وفعلاً كنت أحس بداخلي شيئاً يمنعني من ذلك فغيرت رأيي.
وبعد أيام قليلة
رأيت فيما يرى النائم منامي أني ادخل إلى غار حراء الذي كان يتعبد فيه صلى الله
عليه وآله وسلم وهو ديوان الصالحين حيث تجتمع الأولياء قدست أسرارهم الشريفة،
فرأيت جمعاً من الشيوخ يجلسون فيه، وكان متميزاً منهم سيدي الشيخ عبيد الله
القادري، فقد رأيته جالساً أمام الجميع
على مكان مرتفع عن أماكن جلوسهم والديوان يمتلئ نوراً من نوره ودخل شخص أعرفه،
وهو الأخ حسن خطاب من تلاميذ الشيخ عبد الله السعيد من معرة النعمان من قرية
جرجناز، دخل يسأل الحاضرين عني؟ وكان من
هؤلاء الحاضرين الشيخ عبد الله السعيد والشيخ خلف الشوعة والشيخ زكريا، فسألهم
وسأل شيخه فقال له يا بني: اسأل الشيخ عبيد الله القادري فإنه شيخه وشيخنا كلنا،
فعندها سأله فقال الشيخ إنه من أبنائنا.
فعرفت من هذه
الرؤيا أن مشربي ومسلكي هو عند الشيخ عبيد الله القادري، فتبت إلى الله، وعرفت ألا
ملجأ لي إلا إليه، وفي اليوم الثاني رأيت نفسي في الرؤيا
أذهب إلى عامودا، ولما دخلت التكية القادرية وجدت الشيخ ينتظرني وقال لي: لو سافرت
لكل شيوخ الدينا فمرجعك الي أنت ولدي وعندي وليس لشيخ آخر أن يأخذك، فأخذت البيعة
والعهد منه في تلك الرؤيا.
وبعدها بدأت
أجهز نفسي للسفر إلى الشيخ، فسافرت إلى عامودا بصحبة رفيقي في السلوك وأحب أصدقائي
في الحياة وهو محمد خلف الجمعة وكان رفيقي في السلوك والخلوات، فلما وصلنا عامودا،
ووصلنا التكية القادرية، تفاجأنا بعدم وجود الشيخ، فقد كان في سفر، فبتنا هناك،
وتركت رسالة للشيخ سلمتها لولده الشيخ محمد، فأمر خادم التكية بالاحتفاظ بها
وتسليمها للشيخ عند رجوعه، وتوجهنا للحسكة، حيث مكان إقامتنا ودراستنا، وبعد أيام
رأى محمد خلف الجمعة في منامه أنه يحضر لي رسالة من حضرة الحبيب صلى الله عليه
وآله وسلم، ورأى مثلها طالبان فعلمت أن رسالتي وصلت للشيخ.
ومن شدة خوفي
وخجلي لم أتجرأ على الذهاب، وكنت في حالة خوف وخجل منه كيف ذهبت لكل المشايخ وأنا
على عهده فأرسلت محمد خلف الجمعة إلى عامودا لينظر إن كان الشيخ هناك أم لا، ولما
وصل عامودا، ودخل إلى للتكية وجد الشيخ جالساً في مجلسه فلما أقبل ليسلم عليه
خاطبه الشيخ قائلاً أهلا بمحمد دون أن يتكلم؟ وكان أول لقاء له بالشيخ، وكان ذلك مفاجأة
كبيرة كيف عرف الشيخ اسمه؟ ثم خاطبه قائلاً: لا تجلس ارجع فوراً الى الحسكة وأحضر
الشيخ مخلف وتعالا إلى التكية، وبعد ساعتين تفاجأت بعودة محمد وكان في السنة
الثالثة الاعدادية، وكنت في السنة الأولى الثانوية، فرأيت محمد بحالة غريبة، كان مذهولاً ومندهشاً لدرجة عجيبة، فقال لي: الشيخ
أرسلني إليك وأخبرني كيف أن الشيخ عرف اسمه واسمي قبل أن يتكلم؟ وهنا أصابتني حالة
خوف وهلع غريبة، لأني خفت من مواجهة الشيخ فيسألني عن جولتي على الشيوخ، فاستجبت
وقمت وتجهزت وسافرنا باتجاه عامودا.
فوصلنا التكية
وكانت صلاة المغرب قد انتهت، وكان الشيخ يقرأ أوراده بعد الصلاة فانتظرنا حتى
انتهى وتقدمت وسلمت عليه وأجلسنا بجانبه، وبعد قليل أمر الشيخ لنا بطعام العشاء
ولما انتهينا قلت لمحمد: تعال لنطلب من الشيخ العهد والبيعة، وقبل أن نتكلم نادانا
الشيخ وأعطانا البيعة وأدخلنا للخلوة لمدة ثلاثة أيام، وكانت خلوة التوحيد بذكر لا
إله إلا الله، فكانت خلوة عظيمة فتح الله علينا بكل خير فيها، ثم خرجنا منها
ورجعنا للدراسة.
وبدأت بالسير والسلوك في الطريق إلى
الله عز وجل، ووجدت الخير الكثير على يده والحمد لله، وتغير حالي كل التغيير وبدأت
بأخذ الإرشاد من الشيخ ومارست الرياضات ودخلت الخلوات والمجاهدات والأوراد
والأذكار، فأحمد الله الذي أتى بي إلى حضرة الشيخ حفظه الله ونفعنا ببركته، وهذه
الحادثة بنظري من أكبر كرامات الشيخ لأن فيها الخير للسالكين.
نقلاً عن كتاب الكنوز النورانية