قواعد السلوك (6): اٌبال على الله
الكاتب: الشيخ القادري
سلسلة دروس قواعد السلوك
للشيخ مخلف العلي القادري الحسيني
القاعدة السادسة: حسن
الإقبال على الله
بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً وفقهاً
وإخلاصاً في الدين وبعد :
أحباب وإخوتي الكرام
درسنا اليوم
عن الإقبال على الله تعالى وهو القاعدة السادسة من قواعد السلوك ودرس اليوم هامٌ جداً
ويجب على الجميع أن يأخذه بعين الاعتبار،
واعلم أن
المطلوب من المريد أن يقبل على الله تعالى بكليته أن لا يوفر جهداً بالسير إلى الله
، وعماد ذلك كله المجاهدة ونعني بالمجاهدة مجاهدة النفس والجوارح وهذا هو عماد طريق
القوم والمجاهدة هي التي توصل السالكين إلى
أعلى المقامات ولم يصل أحد من الصالحين إلى ما وصل إليه إلا بالمجاهدة ،
وقد ورد
عن النبي صلى الله عليهِ وآله وسلم : رجعنا
من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر والجهاد الأكبر هو جهاد النفس ونحن في زمن ترك
المريدون والسالكون المجاهدة فصاروا يطلبون الطريق بغير تعب ويريدون الوصول بغير نصب
وهذا محال والله لم يكن هذا للذين قبلنا الذين هم خير منا ، فصار المريد يطلب كل شيء
جاهزاً يريد أن يصبح شيخا ويتقلب في المقامات والدرجات دونما عمل ولا جهاد والله هذا
محال وأمر لا ينبغي .
وما أعظم
قول الإمام الرفاعي:
يأكلون بالأرطال ويشربون بالأسطال وينامون الليل مهما طال ويطلبون مقامات الرجال فوالله
إن هذا محال.
وقال أبو
عُثمان المَغرِبِيّ رَحِمَهُ الله: مَن ظنَّ أنه يُفتَحُ عَلَيْه بشيءٍ من هذه الطَّرِيقَة أو يُكشَفُ
له شيءٌ منها بغير لُزُوم المجاهدة فهُوَ في غَلَط.
وعلى سبيل
المثال الخلوات والرياضات لابد للمريد من سلوكها، واليوم نرى المريد يطلب الفتح من الشيخ دون خلوة وهذا أمر
يحدث كثيرا يطلب الإجازة والمشيخة قبل أن يسلك وان يجاهد نفسه .
وكذلك في
العلم ينتشر أمر عجيب اليوم تجد البعض يحمل عشرات من الإجازات العلمية ولا يحفظ حديثا
بسنده ، يحمل إجازات حديث وفقه وقرآن وهو أجوف بعيدٌ عن العلم ويحمل كتباً وإجازات وشهادات وكلها بدون جدوى ،
بينما كان الطالب يقضي سنوات بطلب الحديث حتى يعطى الإجازة واليوم بعد يوم أو يومين
وبدخوله لموقع أو موقعين يخرج بعشرات الإجازات .
والمريد
كان في الزمن الماضي يقضي سنوات من السلوك وهو يرتجي أن يُقْبِلَ خادماً ومريداً ولا
يخطر بباله للحظة موضوع الإجازة والخلافة أتدرون لماذا لأنهم يعلمون قيمتها وأنها أمانة
مسئول عنها لكننا اليوم نواجه أمراً غريباً عافانا الله وإياكم.
وكما يقول
القوم: من لم تكن
له في بدايته قومة لم تكن له في نهايته جلسة ، الأمر عظيم أيها الإخوة لذلك ضاعت الأحوال
وفقدنا الكرامات وهذا هو السبب في إننا لا نجد لذة الطريق إلى الله تعالى .
والآن تعالوا
إلى أئمتنا نبدأ بسيد الوجود محمد صلى الله عليهِ وآله وسلم كان يقوم الليل حتى تتورم قدماه ، وسيدي عبد القادر
أربعون سنة يصلي الفجر بوضوء العشاء ، وكذلك سادتنا الرفاعي البدوي الدسوقي أبو يزيد
معروف الكرخي الجنيد البغدادي سري السقطي بشر الحافي ، قرانا عن أحوالهم لم يبلغوا
ما بلغوا إليه بالقال والقليل ولكن بالمجاهدة .
ماذا عن
صلاتنا هل هي في المسجد على الدوام يقول أبو الحسن الشاذليt : إذا رأيت المريد لا يحافظ على الصلوات
الخمسة في المسجد فلا تأبهن به فلن يأتي منه شيء في الطريق ، ماذا عن صيام السنة هل
نحن نحافظ عليه وهو من أكد آداب المريد، ماذا عن الأذكار النبوية ماذا عن قيام الليل
ماذا عن التهجد .
نحن مساكين
أيها الإخوة بدل أن ننشغل بتزكية أنفسنا انشغلنا بالطلب والبحث والفتح وهذه والله لا
تعطى إلا وأنت على سجادتك آخر الليل تتقلب تتمرغ بين يدي ربك .
رضي الله
عن سيدي عقيل المنبجي الذي يقول: طريقتنا جد وكد ولزوم حد حتى تنقد وسيدي عبد القادر خلوته كانت 25 سنة على ضفاف دجلة يأكل البقلة والخس
والحشائش حتى فتح الله عليه ، وسيدي نور الدين البريفكاني خلوته 34 سنة، وأبو يزيد
البسطامي 7 سنوات من المجاهدة ، هكذا كان أهل الله وبهذا وصلوا.
لماذا وصل
العارفون وتأخرنا من أراد الوصول لابد من أن يعطي الطريقة حقها على أتم وجه ، عرفوا
أن الله ربهم ولا إله إلا هو فعبدوه وما أشركوا معه أحدا ، ذاقوا حلاوة القرب
من الله فلم يبرحوا بابه ولازموه ، وعرفوا قيمة الليل فاغتنموه وقاموا بين يدي
مولاهم فأعطاهم ، عرفوا أن قيام الليل شعر الصالحين فرفعوا هذا الشعار وما انزلوه
، وعرفوا قدرة الله فذللوا رقابهم له فأعزهم الله بعزته ، أحبوا الله
أكثر من كل شيء وكانوا له كما يريد فأحبهم وكان لهم كما يريدون ، صاروا لله
عبادا ربانيين فجعلهم الله يقولون للشيء كن فيكون ، أجسادهم في سبيل الله وفي سبيل
مرضاته فساحت أرواحهم في ملكوت الله ، عرفوا أنهم ملك لله يفعل بهم ما يشاء
فالتزموا وخضعوا لمالكهم فأعطاهم الله مفاتيح ملكه ، عرفوا الشريعة والتزموا
بالطريقة فغاصوا في بحر الحقيقة ، عرفوا أن القلب محل نظر الله فطهروه ومن الأسقام
عالجوه ليكون أهلاً لنظر الله ، عرفوا أن الله مطلع وناظر عليهم فأطاعوه وما
عصوه ، عرفوا أن القرآن كلام الله فعكفوا عليه يقرأوه وعملوا بما جاء فيه ،
عرفوا أن الذاكر جليس الله والله يذكره فرطبوا ألسنتهم بذكر الله وتأدبوا بذكرهم
، عرفوا أن رسول الله صلى الله عليهِ وآله وسلم بابهم إلى الله فاتبعوه وما خالفوه ، عرفوا
أن الشيطان عدوهم فحاربوه وما اتبعوه ، عرفوا أن النفس أمارة بالسوء فخالفوها
فزكاها الله ، عرفوا أن أجلهم أيام معدودة فاغتنموها بالصالحات والخيرات ، عرفوا
أن الصالحين والعلماء هم الذين يدلون على الله فصاحبوهم وزاحموهم في مجالسهم، عرفوا
أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة على الله أفضل الأعمال فجعلوها وظيفتهم
، أكلوا نعم الله تقوياً على طاعته وأدوا شكرها بحق ،عرفوا أن الجنة
دار الأخيار والنار دار الأشرار فعملوا لكي يكون مقامهم الجنة مع الأبرار ، عرفوا
أن الموت لاحق بهم لا محالة فعملوا لما بعد الموت . هذا هو حالنا لذلك يجب أن نشمر
عن ساعد الجد ونشحذ الهمة من جديد.
والطرق الصوفية
تمر في هذا الزمن بعدة مشكلات وهي:
أولاً: مشكلة
توريث المشيخة :
وهذا نقصد
بها بعض أبناء الشيوخ الذين يتولونها كأنها خلافة أموية ولم يكونوا أهل لها فينساق
لهم المريدون ولكن يوصلونهم إلى الحطيط .
ثانيا: تصدر
بعض الشيوخ على المشيخة وهم لم يكملوا سلوكهم .
ثالثا: التساهل
بالآداب والتعاليم لكسب المريدين .
وأخيرا اسأل
الله أن يقوي هممنا للسير إلى الله تعالى
وصلى
الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً والحمد لله رب العالمين