الطَّرِيقَةُ الْقَادِرِيَّةُ: هِيَ إِحْدَى الطُّرُقِ الصُّوفِيَّةِ، وَتُعْتَبَرُ
مِنْ أَقْدَمِ الطُّرُقِ الصُّوفِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إِطْلَاقِ التَّسْمِيَةِ
وَنِسْبَتِهَا، وَمِنْ حَيْثُ تَبَلْوُرِهَا كَمَنْهَجٍ لِمَدْرَسَةٍ صُوفِيَّةٍ
لَهَا قَوَاعِدُهَا وَأُسُسُهَا وَأُصُولُهَا الَّتِي تُمَيِّزُهَا عَنْ غَيْرِهَا،
وَتُعْتَبَرُ الْأَقْدَمَ مِنْ حَيْثُ الْحِقْبَةِ الزَّمَنِيَّةِ بَيْنَ
الطُّرُقِ الصُّوفِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْبِلَادِ، وَهِيَ طَرِيقَةٌ
تُنْسَبُ لِمُؤَسِّسِهَا الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجِيلَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، وَسُمِّيَتْ بِاَلْقَادِريَّةِ نِسْبَةً إِلَيْهِ، وَقَدْ يُسَمِّيهَا
الْبَعْضُ بِالْجِيلَانِيَّةِ أَوْ الْكِيلَانِيَّةِ نِسْبَةً إِلَيْهِ،
وَسَنَذْكُرُ لَكُمْ تَعْرِيفَ الطَّرِيقَةِ الْقَادِرِيَّةِ الْمُبَارَكَةِ،
وَهَذَا التَّعْرِيفُ هُوَ مِنْ وَضْعِي أَنَا الْفَقِيرُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى،
فَأَقُولُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ:
الطَّرِيقَةُ الْقَادِرِيَّةُ هِيَ: «مَنْهَجٌ تَرْبَوِيٌّ سُلُوكِيٌّ يُعْنَى
بِتَزْكِيَةِ النَّفْسِ مِنَ الرَّذَائِلِ، وَسَلَامَةِ الْقَلْبِ مِنَ
الْأَمْرَاضِ، وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى رِضَا اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَقَائِمٌ
عَلَى الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى مَفْهُومِ التَّصَوُّفِ الصَّحِيحِ، الَّذِي هُوَ
مَقَامُ الْإِحْسَانِ، وِفْقَ الْآدَابِ وَالْقَوَاعِدِ وَالْأُسُسِ وَالْأُصُولِ الَّتِي
وَضَعَهَا مُؤَسِّسُ الطَّرِيقَةِ الْإِمَامُ الرَّبَّانِيُّ الشَّيْخُ عَبْدُ
الْقَادِرِ الْجِيلَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ جَاءَ مِنْ بَعْدِهِ
مِنْ أَئِمَّةِ وَمَشَايِخِ الطَّرِيقَةِ الْقَادِرِيَّةِ الَّذِينَ سَارُوا عَلَى
مَنْهَجِهِ» .
وَقَدْ
أَسَّسَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ الْجِيلَانِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، طَرِيقَتَهُ
عَلَى مَجْمُوعَةٍ مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالْأُسُسِ وَالْأُصُولِ وَالْآدَابِ
الْمُسْتَمَدَّةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمِنْ مَنْهَجِ آلِ الْبَيْتِ
الْأَطْهَارِ وَالصَّحَابَةِ الْكِرَامِ، وَمَنْهَجِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْعَارِفِينَ
الَّذِينَ أَخَذَ عَنْهُمْ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الْمُبَارَكَةَ، فَهِيَ طَرِيقَةٌ
مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .
وَقَدْ قَالَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الفَتْحِ الرَّبَّانِيِّ: «كُلُّ حَقِيقَةٍ لَا تَشْهَدُ لَهَا الشَّرِيعَةُ
فَهِيَ زَنْدَقَةٌ». وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ: «طِرْ إِلَى الْحَقِّ عَزَّ
وَجَلَّ بِجَنَاحَيِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، اُدْخُلْ عَلَيْهِ وَيَدُكَ فِي يَدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ».
وَقَدْ
تَمَيَّزَ مَنْهَجُهُ بِالشِّدَّةِ وَالْأَخْذِ بِالْعَزائِمِ، وَالْمُجَاهَدَاتِ
وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَلُزُومِ الشَّرِيعَةِ، وَسَنُبَيِّنُ فِي الْمَبَاحِثِ
الْآتِيَةِ أَهَمَّ الْقَوَاعِدِ وَالْأُصُولِ الَّتِي وَضَعَهَا الْإِمَامُ
وَأَتْبَاعُهُ، حَتَّى أَقَامُوا مَدْرَسَةً سُلُوكِيَّةً عَظِيمَةً انْتَشَرَتْ
فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعِمِائَةِ
سَنَةٍ، وَمَا زَالَتْ قَائِمَةً قَوِيَّةً ثَابِتَةً بِمَنْهَجِهَا الْعَظِيمِ،
وَقَدْ شَهِدَ لِطَرِيقَتِهِ الْكَثِيرُ مِنَ الْعُلَمَاءِ نَذْكُرُ مِنْهُمْ عَلَى
سَبِيلِ الْمِثَالِ:
شَيْخُ
الْإِسْلَامِ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ رَحِمَهُ
اللَّهُ إِذْ قَالَ: «كَانَ
الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ مُتَمَسِّكَاً بِقَوَانِينِ الشَّرِيعَةِ، يَدْعُو
إِلَيْهَا، وَيُنَفِّرُ عَنْ مُخَالَفَتِهَا، وَيَشْغَلُ النَّاسَ فِيهَا مَعَ
تَمَسُّكِهِ بِالْعِبَادَةِ وَالْمُجَاهَدَةِ، وَمَزْجِ ذَلِكَ بِمُخَالَطَةِ
الشَّاغِلِ عَنْهَا غَالِبَاً كَالْأَزْوَاجِ وَالْأَوْلَادِ، وَمَنْ كَانَ هَذَا
سَبِيلُهُ كَانَ أَكْمَلَ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا صِفَةُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ »([1]).
وَالْإِمَامُ
الشَّيْخُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِذْ قَالَ: «طَرِيقَتُهُ التَّوْحِيدُ وَصْفَاً
وَحُكْمَاً وَحَالَاً، وَتَحْقِيقُ الشَّرْعِ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً»([2]).
وَالشَّيْخُ عَدِيُّ بْنُ مُسَافِرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إِذْ قَالَ: «طَرِيقَتُهُ اَلْذُبُولُ تَحْتَ مَجَارِي
الْأَقْدَارِ، وَمُوَافَقَةُ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ، وَاتِّحَادُ الْبَاطِنِ
وَالظَّاهِرِ، وَانْسِلاخُهُ مِنْ صِفَاتِ النَّفْسِ»([3]).
وَيَقُولُ
ابْنُ رَجَبَ الْحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي طَبَقَاتِهِ: «ظَهَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ
لِلنَّاسِ، بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَحَصَلَ لَهُ الْقَبُولُ التَّامُّ
مِنَ النَّاسِ، وَاعْتَقَدُوا دِيَانَتَهُ وَصَلَاحَهُ، وَانْتَفَعُوا بِهِ
وَبِكَلَامِهِ وَبِوَعْظِهِ، وَانْتَصَرَ أَهْلُ السُّنَّةِ بِظُهُورِهِ،
وَاشْتُهِرَتْ أَحْوَالُهُ وَأَقْوَالُهُ وَكَرَامَاتُهُ وَمُكَاشَفَاتُهُ،
وَجَاءَتْهُ الْفَتَاوَى مِنْ سَائِرِ الْأَقْطَارِ، وَهَابَهُ الْمُلُوكُ فَمَن
دُونَهُمْ»([4]).
وَيَقُولُ
الشَّيْخُ عَلِيُّ بْنُ الْهِيتِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَانَ قَدَمُهُ التَّفْوِيضُ
وَالْمُوَافَقَةُ، مَعَ التَّبَرُّؤِ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَكَانَتْ
طَرِيقَتُهُ تَجْرِيدَ التَّوْحِيدِ وَتَوْحِيدَ التَّفْرِيدِ، مَعَ الْحُضُورِ
فِي مَوْقِفِ الْعُبُودِيَّةِ لَا بِشَيْءٍ وَلَا لِشَيْءٍ»([5]).
وَيَقُولُ
الشَّيْخُ أَحْمَدُ الرِّفَاعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ؛ مَنْ
يَسْتَطِيعُ وَصْفَ مَنَاقِبِهِ؟ وَمَنْ يَبْلُغُ مَبْلَغَهُ؟ ذَاكَ رَجُلٌ بَحْرُ
الشَّرِيعَةِ عَنْ يَمِينِهِ، وَبَحْرُ الْحَقِيقَةِ عَنْ يَسَارِهِ، مِنْ
أَيِّهِمَا شَاءَ اغْتَرَفَ، لَا ثَانِيَ لَهُ فِي وَقْتِنَا هَذَا»([6]).
أَمَّا تَسْمِيَةُ الطَّرِيقَةِ بِاَلْقادِريَّةِ: فَلَمْ تَكُنْ تُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ
فِي زَمَنِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ بَلْ كَانَتْ عِبَارَةً عَنْ مَنْهَجِ
سُلُوكٍ وَعِلْمٍ وَتَرْبِيَةٍ، تَحْتَ مُسَمَّى الزُّهْدِ وَالتَّصَوُّفِ
وَالسُّلُوكِ، كَمَا هُوَ حَالُ غَالِبِ أَهْلِ التَّصَوُّفِ، غَيْرَ أَنَّ
مُصْطَلَحَ الطَّرِيقَةِ قَدْ ظَهَرَ وَعُرِفَ فِي زَمَنِ الشَّيْخِ، وَقَدْ
أَطْلَقَ اَلشَّيْخُ عَلَى مَنْهَجِهِ اسْمَ الطَّرِيقَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ
مِنْ كُتُبِهِ، وَقَدْ أَفْرَدَ بَابَاً فِي كِتَابِ الْغُنْيَةِ تَحْتَ عُنْوَانِ: (بَابٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْمُبْتَدِىءِ فِي
هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَوَّلَاً)، وَكَذَلِكَ فِي بَعْضِ قَصَائِدِهِ، وَهَذِهِ
دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ مَنْ أَطْلَقَ
عَلَى مَنْهَجِهِ اسْمَ الطَّرِيقَةِ فِي زَمَنِهِ.
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا بِالْقَادِرِيَّةِ: فَقَدْ ظَهَرَتْ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ فِي
الْقَرْنِ السَّابِعِ الْهِجْرِيِّ، وَذَلِكَ نِسْبَةً لِلشَّيْخِ عَبْدِ
الْقَادِرِ، وَصَارَتْ كَلِمَةُ (الْقَادِرِيِّ) تُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَنْ
يَتَّصِلُ نَسَبُهُ بِالشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجِيلَانِيِّ مِنْ
ذُرِّيَّتِهِ الطَّاهِرَةِ، ثُمَّ انْتَشَرَتْ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ أَكْثَرَ
لِتَشْمَلَ كُلَّ مَنْ يَتَلَقَّى السُّلُوكَ وَالتَّرْبِيَةَ فِي الْمَدْرَسَةِ
الْقَادِرِيَّةِ، وَالَّتِي أَشْرَفَ عَلَيْهَا أَوْلَادُهُ،
وَأَحْفَادُهُ مِنْ
بَعْدِهِمْ، وِفْقَ مَنْهَجِ الشَّيْخِ وَقَوَاعِدِهِ الَّتِي أَسَّسَ عَلَيْهَا
طَرِيقَتَهُ، وَمِنْ أَبْنَائِهِ الَّذِينَ أَشْرَفُوا عَلَيْهَا
نَذْكُرُ الشَّيْخَ عَبْدَ الْوَهَّابِ وَالشَّيْخَ
عَبْدَ الرَّزَّاقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، ثُمَّ تَرَسَّخَتْ التَّسْمِيَةُ
فِي زَمَنِ أَحْفَادِهِ، وَظَلَّتْ تَزْدَادُ وَتَنْتَشِرُ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا،
حَتَّى صَارَتْ كَلِمَةُ (الْقَادِرِيِّةِ) مُصْطَلَحَاً مَعْرُوفَاً لَا يَخْرُجُ عَنْ مَعْنَيَيْنِ:
الْأَوَّلُ: ذُرِّيَّةُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ
الْجِيلَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَالثَّانِي: مَشَايِخُ الْمَدْرَسَةِ الْقَادِرِيَّةِ وَتَلَامِيذُهَا
وَأَتْبَاعُهَا، ثُمَّ أُطْلِقَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا مَعَاً، سَوَاءٌ
ذُرِّيَّةَ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ، أَوْ اَلْمُنْتَسِبِينَ لِمَنْهَجِهِ.
ثُمَّ
بَعْدَ ذَلِكَ تَبَلْوَرَتْ التَّسْمِيَةُ بِشَكْلٍ وَاضِحٍ وَكَامِلٍ بَعْدَ
افْتِتَاحِ الزَّوَايَا الْقَادِرِيَّةِ وَانْتِشَارِهَا عَلَى يَدِ أَحْفَادِهِ،
وَأَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِهَذَا هُمْ أَبْنَاءُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْعَزِيزِ،
وَأَوَّلُ مَنْ افْتَتَحَ تَكِيَّةً وَزَاوِيَةً قادِرِيَّةً هُوَ الشَّيْخُ “عُثْمَانُ
الْقَادِرِيُّ” ابْنُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الكِيلَانِيِّ
المُتَوَفَّى سَنَةَ: (623هـ)، ثُمَّ صَارَتْ سُنَّةً لِهَذَا الْمَنْهَجِ، أَقْبَلَ
الْأَشْرَافُ وَالسَّادَةُ الْقَادِرِيُّونَ عَلَى افْتِتَاحِ التَّكَايَا وَالزَّوَايَا الَّتِي
يَتَجَمَّعُ فِيهَا اَلْمُنْتَسِبُونَ لَهَا، وَكُلُّهَا تَتَّصِلُ مُبَاشَرَةً
مَعَ الْمَدْرَسَةِ الْقَادِرِيَّةِ بِبَغْدَادَ، أَوْ بِجَبَلِ سِنْجَارَ فِي
أَيَّامِ الْغَزْوِ الْمَغُولِيِّ، وَصَارَ يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمَ الْقَادِرِيَّةِ،
ثُمَّ تَوَسَّعَتْ لِتَنْتَشِرَ فِي غَالِبِ الْبِلَادِ وَذَلِكَ نَتِيجَةً
لِانْتِشَارِ الذُّرِّيَّةِ الْقَادِرِيَّةِ فِي الْبِلَادِ، بِسَبَبِ الْحُرُوبِ
وَالتَّهْجِيرِ، وَبِسَبَبِ انْتِشَارِ الْمُجَازِينَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي
الْبِلَادِ.
أَمَّا أَصْلُ نَشْأَتِهَا: فَإِنْ أَرَدْنَا الْحَدِيثَ عَنْ أَصْلِ
الطَّرِيقَةِ الْقَادِرِيَّةِ وَأَصْلِ نَشْأَتِهَا،
وَكَذَلِكَ سَائِرِ الطُّرُقِ الْعَلِيَّةِ، فَإِنَّ أَصْلَهَا يَرْجِعُ إِلَى
صَدْرِ الْإِسْلَامِ، إِلَى شَرِيعَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، الَّذِي
جَاءَنَا بِالشَّرِيعَةِ مِنَ اللَّهِ، فَكُلُّ الطُّرُقِ تَرْجِعُ إِلَى ذَلِكَ
الْأَصْلِ الْعَظِيمِ، وَكُلُّ الطُّرُقِ الصُّوفِيَّةِ تَرْجِعُ بِأَسَانِيدِهَا
إِلَى عَصْرِ النُّبُوَّةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا أَبَدَاً، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ
مُنْذُ ذَلِكَ الْعَصْرِ وَامْتَدَّتْ وَاسْتَمَرَّتْ إِلَى عَصْرِ التَّابِعِينَ
وَمَنْ جَاءَ مِنْ بَعْدِهِمْ حَتَّى وَصَلَتْ إِلَيْنَا، مَعَ الْعِلْمِ أَنَّهَا
لَمْ تَكُنْ تُسَمَّى بِأَسْمَائِهَا الَّتِي نَعْرِفُهَا بِهَا الْآنَ، وَعُرِفَتْ
بِأَسْمَائِهَا فِيمَا بَعْدُ، وَسُمِّيَتْ كُلُّ طَرِيقَةٍ نِسْبَةً إِلَى
مُجَدِّدِهَا وَمُؤَسِّسِهَا وَإِمَامِهَا الَّذِي اسْتَطَاعَ أَنْ يَضَعَ لَهَا
الْأُسُسَ وَالْآدَابَ وَالتَّعَالِيمَ مُسْتَمِدَّاً ذَلِكَ مِنَ الْكِتَابِ
وَالسُّنَّةِ، وَمِنْ حَيَاةِ آلِ الْبَيْتِ الْأَطْهَارِ وَالصَّحَابَةِ
الْكِرَامِ، وَمِنْ مَنْهَجِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْعَارِفِينَ الَّذِينَ أَخَذَ
عَنْهُمْ طَرِيقَتَهُ، فَنُسِبَتْ إِلَيْهِ، وَمَا هُوَ إِلَّا حَلْقَةٌ مِنْ
سِلْسِلَتِهَا الشَّرِيفَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِسَيِّدِ الْخَلْقِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ،
وَنَحْنُ بِهَذَا الْكَلَامِ إِنَّمَا نَقْصِدُ مَنْهَجَ الطَّرِيقَةِ
الْمُتَمَثِّلِ بِالْآدَابِ وَالتَّعَالِيمِ الَّتِي تَتَضَمَّنُهُ.
وَأَمَّا سَنَدُهَا: فَقَدْ تَلَقَّى الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ الْجِيلَانِيُّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ، عَنِ الشَّيْخِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُبَارَكِ
الْمَخْزُومِيِّ، عَنِ الشَّيْخِ عَلِيِّ اَلْهَكَّارِيِّ، عَنِ الشَّيْخِ أَبِي
الْفَرَجِ الطَّرْسُوسِيِّ، عَنِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْوَاحِدِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ
الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الشِّبْلِيِّ، عَنِ الشَّيْخِ الْجُنَيْدِ الْبَغْدَادِيِّ،
عَنِ الشَّيْخِ سَرِيِّ السَّقَطِيِّ، عَنِ الشَّيْخِ مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ عَنِ الشَّيْخِ دَاوُودَ الطَّائِيِّ، عَنِ
الشَّيْخِ حَبِيبِ الْعَجَمِيِّ، عَنِ الْإِمَامِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُم، عَنِ سَيِّدِنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ عَلَيْهِ
السَّلَامُ، عَنْ حَضْرَةِ
الْحَبِيبِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلِلطَّرِيقَةِ سَنَدٌ آخَرُ يُسَمَّى بِالسِّلْسِلَةِ
الذَّهَبِيَّةِ سَيَأْتِي بَيَانُهُ لَاحِقَاً
مصدر المقالة: الكنوز النورانية ط 4 صفحة:37 -41